الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / علم نفس وادب اطفال / في الشعور بالنقص وبواعثه وأحواله!

في الشعور بالنقص وبواعثه وأحواله!

بقلم د إبراهيم سمسماني

في شعور النقص :
يسود بين الناس اعتقاد مؤداه ان شعور النقص امر معيب، بل هو اقرب الى الشتيمة . وكلمة ( ناقص) تترك صدى مشوبا بالاحتقار .
لكن الواقع النفسي يؤكد خلاف ذلك ، هذا الشعور هو حالة نفسية عامة يتشارك فيها البشر كافة ، وان بدرجات متفاوتة ، تختلف من فرد لآخر .
” يكفي ان تكون انسانا حتى تشعر بالنقص .” تلك هي مقولة عالم النفس ألفرد آدلر .هو يرى ان هذا الشعور ناجم عن ادراك الطفل لعجزه وقصوره ،ازاء ” المعرفة الكلية ” ” والقدرة الكلية” للكبار وخصوصا الوالدين . لكن هناك ظروف شتى ، عديدة ومختلفة ، تفاقم هذا الشعور :
-عموما يبلور الانسان لنفسه مبكرا صورة ، (وهما ، مثالا)، يسعى الى تحقيقها ، ويظل امينا لها مادام حيا .
وبقدر فشله في بلوغ هذا الوهم – المثال، اما لعجز في قدراته الذاتية ، او لاستحالة في الظروف الخارجية،بقدر مايزداد شعور النقص فداحة .
– وللشكل الجسدي تأثير حاسم على نفسية الانسان، وخصوصا في حالة العاهات الخطيرة، التي تترك بصمة نقص مؤلمة عميقة عند صاحبها .
للتربية الأسريةايضا دور هام في دعم ثقة الطفل بنفسه او في احباطها، من خلال موقف الاهل ، وخصوصا التمييز بين الاخوة.واهمال الام لطفلها ونقص الاشباع العاطفي يولد شعورا حقيقيا او وهميا بالنقص .
-ونقص القدرات الذهنية والنفسية والجسمية يؤدي الى خفض تقدير الذات ، وخاصة في التنافس المدرسي او الحياتي عموما.
ولا ننسى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي تترك اثرا سلبيا على اعتبار الذات . كل اذلال اجتماعي للطفل يولد شعورا مؤلما بالدونية .
-وهذا الشعور مؤلم وقاس احيانا ، نرفضه ، ننكره ، لكنه يؤتي مفاعيله في غفلة منا. يبدأ في الطفولة ، لكنه لايبارحنا ابدا . يستيقظ مع كل محاولة انجاز جديدة ، ومع كل اخفاق ، وفي اي سعي لتحقيق هدف اعلى. ويبرز بجلاء في لحظات مقارنة بائسة مع آخرين اعلى مرتبة ومقاما .
– والمرأة – بحسب الدراسات النفسية اكثر عرضة لتفاقم شعور النقص،وقد فسره البعض من خلال الفروقات الجسدية التشريحية، وبشكل خاص عدم امتلاك المرأة للعضو الذكوري ، او ماسمي ب”عقدة الخصاء” . لكن العالم النفسي آدلر قدم تفسيرا اجتماعيا تربويا مفاده: ان الحضارة المعاصرة اعطت للرجل مكانة متفوقة ، ان في تقسيم العمل او في الامتيازات والمنافع . والمؤسسات والقوانين والآداب التقليدية والاعراف والعادات، كلها تشهد بالوضع المتميز للرجل وتدعمه .
لكن الاهمية القصوى لهذا الشعور انه يشكل احد العوامل الاساسية في الدينامية النفسية، هو حافز فعال “للتعويض” ، اوالية نفسية يتم من خلالها تمثل السلوكات الاسرية والقيم الاجتماعية . وهي ايضا تدفع الى الانجاز والابداع والتفوق، وفي حالة التعويض الزائد تحفز الى السلطة والسيطرة . وهكذا تبدو الحياة النفسية وكأنها محاولات دائمة ومستمرة للتعويض وتحقيق الذات وتوكيدها.
يمكن لمحاولات التعويض ان تقع في الفشل، تتوالى الاخفاقات والاحباطات ، يطغى شعور النقص على كامل النفس، يزداد قسوة ، يكبت ويتحول الى حالة مرضية هي عقدة النقص ، التي تؤدي الى اضطرابات نفسية خطيرة ومتعددة.
واحيانايظهر فشل التعويض في عقدة التفوق ، الوجه الآخر لعقدة النقص؛ يعزو صاحبها لنفسه قيمة خاصة متميزة اعلى من الآخرين؛ وقدرات متفوقة عن سائر الناس، وهي بالتأكيد قدرات وهمية .
واخيرا هل يمكننا الافلات من براثن هذه العقدة؟!
بالتأكيد من خلال ادراكها ومعرفة ظروفها واسبابها، وتدريب على مواجهتها واستعادة الثقة بالنفس . يمكن احيانا لتدريب علاجي ان يساعد على ذلك.