الجمعة , يونيو 13 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / من الفاشل؟ نحن أم أنتم؟!”

من الفاشل؟ نحن أم أنتم؟!”

بقلم د رلى فرحات

من الفاشل؟ نحن أم أنتم؟!”

قالت لي صغيرتي بالأمس في  أثناء مساعدتها لي في تحضير الغذاء، وعيناها تتقدان بصدقٍ موجع: “أنتم تقولون عنا إننا جيل فاشل، لكن كيف لا نكون كذلك وأنتم…” ثم أخذت تسرد عليّ بحكمة الكبار:
“تمنعون الكذب، لكننا نشاهد الكرتون وهو كذبة فوق كذبة.
تحذروننا من التأخر، وتحكون عن سندريلا التي عادت بعد منتصف الليل.
تطلبون منا محبة الإخوة، وتحكون عن أبطال حققوا المجد بالمكائد.
تنادون باستقلال الفتاة، وتروون عن بياض الثلج التي لم تُنقذ إلا بقبلة الأمير.
تقولون إن الجمال ليس معياراً، وتصفون القبيح بالوحش.
تحدثوننا عن التوازن بين الذكر والأنثى، وتتركونا نشاهد سبونج بوب بلا سؤال.
ثم هناك “السنافر”… كنا نراها كائنات بريئة زرقاء تغنّي وتضحك، لكنكم لم تخبرونا أن القصة الحقيقية تدور حول طقوس دينية محرفة، وأن شرشبيل الذي صُوّر كشرير، كان في أصل القصة قسًا يطاردهم لكشف حقيقتهم!
وهناك “تيليتابيز”… هؤلاء المخلوقات الغريبة التي تبدو مرحة وبريئة، لم نكن نعلم أنها تجسيد مشوه لقصة مأساوية عن أطفال اختُطفوا وتعرضوا للاعتداء والتعذيب، وقُدمت لنا على أنها شخصيات ملونة للضحك والترفيه… ألا تظنون أن ذلك وحده كافٍ لنفقد الثقة بما يُقدَّم لنا؟”

ثم قالت بجرأة خافتة:
“أمي… معظم هذه القصص، وأكثرية الأفلام والمسلسلات الكرتونية، تروج للعنف، الكذب، التشويه والخداع، ثم تقولون إننا جيل فاشل؟ أرجوكِ، أجيبي… من الفاشل؟ نحن أم أنتم؟”

سكتُّ، ثم تنفّست ببطء، وجاوبتها، لا من موقع الأم، بل من قلبٍ يعترف:
“أنتِ محقة يا صغيرتي. هناك خلل، لا فيكم فقط، بل فينا نحن أيضاً. خلل في ما نرويه، في ما نسمح له أن يتسلّل إلى عقولكم، في صمتنا حين كان يجب أن نُفسّر، وفي تكرارنا قصصًا بدون أن نعيد التفكير فيها.
نحن لم نعلّمكم الكذب، لكننا تركنا الكذب يتسلّل إلى شاشاتكم. لم نقصُد أن نزرع التناقض، لكنه كان حاضرًا في ثقافتنا الموروثة، وأهملنا أن نفلتره حين مررناه لكم. لم تفشلوا أنتم، بل نحن فشلنا أحياناً في أن نكون مرآة صادقة لقيمنا.”

ثم نظرت إليها، وربّتُّ على قلبها الصغير:
“أنتم لستم جيلاً فاشلاً، بل جيلاً يرى التناقض ويتحدث عنه. جيلٌ نحتاج أن نصغي إليه قبل أن نحكم عليه. جيلٌ يُعلمنا أن التربية تبدأ من الصدق، لا من التلقين. وإن كان بيننا من فشل، فهو من عرف الخلل وسكت عنه، لا من كشفه بشجاعة.”

وإليكم، أيها الكبار…
لا تكرروا العبارات الجاهزة بدون وعيها وإدراك خباياها، ولا ترتكزوا على القصص القديمة المتوارثة أو الحديثة المتناقلة بدون تمحيص، ولا تستهينوا بعقول الصغار حين يسألون أسئلة كبيرة، ففي كثير من المرات تكون من أعمق ما تسمعونه وأكثرها دهشة.
راجعوا ما تُدخلونه إلى بيوتكم وإلى عقولهم من صور وحكايا، ناقشوا ما يشاهدونه، كونوا برفقتهم ومعهم وليس رقيب عليهم، وكونوا أول من يعترف إن أخطأ، فهم لا يحتاجون مثاليين… بل صادقين، والصدق زينة الأخلاق…

رُلى فرحات
11-06-2025