الأحد , يونيو 1 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / من هم ضحايا كي الوعي؟!

من هم ضحايا كي الوعي؟!

بقلم
 أمل محمود كردي

 كثيرون تكلّموا على العواملَ الدّاخليّةِ والخارجيّةِ للأزمةِ وأشبعوها درسًا وتحليلًا… لكن دعونا نتعمّقُ قليلًا ونسبرُ أغوارَ الواقعِ الّذي نعيشُه لندركَ أنَّ الأمرَ أعمقُ ممّا نتصوّر..

فشعوبُنا بشكلٍ عام والشّعبُ اللبنانيُّ بشكلٍ خاص وقعَ ضحيّةَ  “كي الوعي” الّذي تمارسُه جمعيّاتٌ خفيّةٌ ومعلنةٌ و بأساليبَ متنوّعةٍ لا عدَّ ولا حصرَ…في نوعٍ من الاستثمارِ بانخفاضِ مستوى الثّقافةِ لدى شعوبِنا في سبيلِ غايةٍ لا تخفى على أحدٍ، وهي السّيطرةِ على الشّعوبِ ومقدّراتِها في حربٍ ناعمةٍ أشدّ ضراوةً وقساوةً من الحروبِ العسكريّة بأضعاف.
من الأسلحةِ الأكثرِ فتكًا في الحربِ الّتي تُخاضُ ضدَّ موروثِنا القيميِّ والثّقافيِّ وسائلُ الإعلامِ بأنواعِها، لا سيّما مواقع التّواصلِ، نظرا إلى سهولة وصولِها لكلِّ فردٍ وقدرتِها على التّأثيرِ في العقلِ الجمعيِّ للشّعوبِ.. فتمارسُ تضليلًا إعلاميا يُعمّي الحقائقَ ويزيّفُها و تساهمُ في تسطيحِ نظرةِ الرّأي العامّ التقييميّة للقضايا المُثارةِ، وتعيدُ تشكيلَه وفقَ أولويّاتِها و خلفيّاتِها .

ومن أذرعِ الحربِ الصّاخبةِ بهدوئِها سياسةُ الإلهاءِ الّتي تكلّمَ عليها نعّوم تشومسكي في سياقِ حديثِه عن استراتيجيّاتِ خداعِ الجماهير والّتي تقومُ على إشغالِهم بقشورٍ لإشاحةِ النّظرِ عن اللّبِّ و الجوهرِ ومنعهم من فهمِ الأمورِ بعمقيّتِها، فحوّلونا من دونَ أن نشعرَ الى روبوتات تسيرُ وفقَ خططٍ وُضعَتْ في غرفِ المخابراتِ السّوداءَ…ويرسمُ أساليبَ تناحرِها و انتحارِها برنار ليفي و جون ماكين و روبرت فورد و تسيطرُ على وعيها و عقلِها الباطنيِّ ثقافاتٌ و مفاهيمُ و سلوكيّاتٌ دسّتْها على هيئةِ نكاتٍ مراكزُ الأبحاثِ و الدّراساتِ ؛ روبوتات تنفّذُ رغباتِ أجهزةِ المخابرات بدقّةٍ و إتقانٍ و يستثمرُ عدوُّها في سطحيّتِها و تتلاعبُ الميديا بالأدرينالين خاصّتِها فيؤقّتون غضبَها على سعرِ الصّرفِ و جعلوها مجموعةَ شعوبٍ متعايشةٍ قسرًا و قهرًا بدلَ ان تكونَ شعبًا واحدًا موحّدًا ؛ شعوبًا و قبائلَ  تنتظرُ بعضَها ” على المفرق ” متعدّدةَ الولاءاتِ تمتهنُ النكاياتِ تفرحُها حالةُ اللّادولةِ و تهندسُ ثورةً تُرضي فوضويّتَها الّتي زيّنوها لها و أسمَوها خلّاقةً فوضى يسيلُ لها لعابُ اللّاعبين الاقليميّين و الدوليّين  و تشرئبُّ أعناقُ المستثمرينَ في أوجاعِنا من دولٍ شقيقةٍ و صديقةٍ و عدوّةٍ فيفتعلون لنا مشاكلَ تلو المشاكلِ لندورَ في دوّامةٍ لا متناهية، مخاطبينَ عواطفَ الجماهير و غرائزَها لكونِ المخزونِ العاطفيِّ يفتحُ بابَ الولوجِ الى اللّاوعي لغرسِ رغباتٍ و ميولٍ و سلوكيّاتٍ فيُبقونها في حالةِ استنفارٍ دائمةٍ و يعمدون لما يسمّى ” شد العصب ” لتغييبِ المنطقِ و التّفكيرِ العقلانيِّ ويستغلّون التّفاوتَ في المستوى الثقافيّ فيزينون لها الشعاراتِ و المصطلحاتِ فما من مميّزٍ بين النّاسِ بين السّلطةِ السّياسيّةِ و بين مفهومِ الدّولة مثلًا بين إسقاطِ قانونٍ جائرٍ و إسقاطِ سلطةِ القانون ووووو و يستغلّون غضبَ الجماهير و يقودونَها لتصبَّه في غيرِ مكانِه لصالحِ قضايا لا ناقةَ لها فيها و لا جمل  و يسخّفون أقدسَ قضاياها و يجعلونَها محطَّ تنادر فلشدّةِ دهاءِ المحرّكين يسطون حتّى على انفعالاتِ الشّعوب

بكلامٍ مختصرٍ نختتمُ فيه لا بدَّ من وضعِ خططِ نهوضٍ فكريٍّ تزيدُ منسوبَ الوعي لدى النّاس كي لا يطمسَ هويّتَها غزوٌ ثقافيٌّ فتذبحُ نفسَها و أوطانَها بسكّينِ سطحيّتِها .و حبّذا لو نستحدثُ منظّماتٍ و مختبراتٍ تُعنى بتصنيعِ لقاحاتٍ فكريّةٍ تقينا شرَّ جوائحِ الفكرِ و أوبئتِه لكونِها اشدّ فتكًا من أوبئةِ الجسدِ و تفوقُها خطورةً
 أمل محمود كردي