السبت , مايو 17 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / هل يُصبح التّمرّد سبيلًا للتّحرّر؟

هل يُصبح التّمرّد سبيلًا للتّحرّر؟

هل يُصبح التّمرّد سبيلًا للتّحرّر؟

بقلم غادة جهاد حبحاب

«المقاومةُ» مَلَكةٌ راسخةٌ في كلّ إنسانٍ يشاء أن يعيشَ حرًّا… فهي بمعناها الاصطلاحيّ ترمز إلى الممانعة وعدم الرّضوخ لتغيّراتٍ وقوى مفروضةٍ من الخارج، وتهدف إلى استعادة السّيادة المسلوبة بجميع مضامينها.

فكانت المكافأة لكلّ مقاومٍ باسلٍ شريفٍ، سفكَ دمائه. من عهد فرعون مصر الّذي أمر عبيده بقتل كلّ طفلٍ ذكرٍ وبقر بطون النّساء، لأنّه سيولد طفلٌ يواجه تكبّره وسلطته الاستبداديّة ويقضي عليها مستقبلًا، إلى عهد إبراهيم النّبيّ الّذي اجتمع النّاس على إحراقه بسبب مقاومته لأصنامهم وتحطيمها، وصولًا إلى ثورة «كربلاء» الّتي قادها حفيد النّبيّ، وتخلّى عن ضرورة استمراريّته فداءً لمبدئه ونصرةً للحقّ، فأصبح قدوةً لكلّ ثائر، رافعًا شعار: “كونوا أحرارًا في دنياكم”، ورفض بيعة الخليفة آنذاك، ما أدّى إلى مقتله وإبادة أهل بيته وصحبه.

ومن النماذج أيضا من حفظ في وجدانه قضيّة فلسطين، وأراد الحرّيّة، حرّيّة البلاد، أنشد لها شعرًا وكتب قصائد، كغسّان كنفاني الّذي غُدِر وقُتِل لأجل حرفه، أو رسم رسمًا كاريكاتوريًا يهدّد وجود العدوان الإسرائيليّ، كناجي العلي، الّذي اغتيل بسبب طفلٍ كاريكاتوريّ اسمه «حنظلة»، أرعب الكيان وهزّ معنويّاته. أو جاهد بالصّوت والصّورة لتغطية خبر الظّلم، ككلّ الإعلاميّين الّذين قُتِلوا فاستُشهِدوا، جرّاء الإبادة الجماعيّة لأهل غزّة في عمليّة «طوفان الأقصى»، سعيًا لحجب عين الحقّ والحقيقة ونقلها للعالم. أو أضرب عن الطّعام كسائر الأسرى الفلسطينيّين، حتى سُئِل أحدهم: “كم فقدت من الوزن؟”، فأجاب: “سلني كم ازددت كرامة!”. أو حمل الحجارة كالطّفل «فارس عودة» الّذي لم يتجاوز العاشرة، ورمى بها دبّابات الجيش الّذي “لا يُقهر”، مصرّحًا: “لو كسروا عظامي مش خايف، لو هدّوا البيت مش خايف”.

وهذه الحجارة، عبر العقود، صنعت رجالًا حملوا السّلاح والصّاروخ والأسلحة المتطوّرة الّتي قصفت وزلزلت إمبراطوريّة إسرائيل ومملكتها.

…أو كالّذين أسّسوا حركاتٍ جهاديّةٍ مقاومةٍ لكيانه، وهو “أوهن من بيت العنكبوت”، كحركة «حماس» وغيرها الّتي هزّت عروش «السّلطة الدّمويّة» ودغدغت غرورها، فكيف تسمح لعربيٍّ عبدٍ، ساقطٍ دنيءٍ في نظرها، أن ينتقم ويقاوم؟

أو في الإعدام والقتل والتّهجير والإبادة لشعب غزّة، وارتكاب المجازر المروّعة بحقّ المدنيّين منهم كي يغادروا البلاد، ويتركوا أرضهم، لكنّهم عزموا على البقاء، وظلّوا تحت الرّكام والخراب والدّمار وفي المخيّمات وعلى الطّرقات، هاتفين للعدوّ: “قاعدلك”، صابرين على المأساة والفقد والبرد والجوع والعطش، لينتصروا، وينصروا الحقّ دائمًا.

إنّ كلّ من أراد الكرامة والعزّة والشّموخ، قتله العدوان بالمجازر وسفك الدّماء والاغتيال والذّبح والإبادة… بمساعدةٍ من أصحاب المصالح السّياسيّة والاقتصاديّة، للضّغط على المقاومين، وإجبارهم على الاستسلام والتّسليم، والصّمت عن الحقّ، ورفع جبهة الباطل، والخضوع لهم كقطيع الغنم المساق خلف الرّاعي «الخبيث والسّافك».

فالتمرّد على الظّلم، ومقاومته، أصبحا سبيلًا واضحًا للتّخلّص منه وهزيمته والقضاء على سيادته الكاذبة والوهميّة.
حتّى لو انتهى الأمر بالتّضحية بالجسد والدّم تحت تهديد العدو؟، فلتكن الإجابة: “أبالموت تهدّدني؟”، ولْيتخلَّ الإنسان عن احتياجاته المادّيّة، وينسبها للرّوحيّة، “لأنّ الإنسان، في نهاية الأمر، قضيّة”، وليس لنا لغةٌ مع العدوّ سوى: «الدّم، والرّصاص، والبارود».