الخميس , يونيو 19 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / من رماد الحروب إلى دخان الاحتمال

من رماد الحروب إلى دخان الاحتمال

إعداد د. رلى فرحات 

من رماد الحروب إلى دخان الاحتمال: الأجيال بين الماضي المُتفحم والمستقبل المجهول
بقلم رُلى كامل فرحات

المقدمة

بين عام 1945 وعام 2025، تنقّلت البشرية عبر أجيال عديدة، لكل منها ميزاته وعنوان رُمّز به وعاش في ظله. فبالحساب التقريبي، وإذا اعتبرنا أنّ الجيل = 25 سنة (وهو المتوسط الأكثر استخدامًا)، يتبيّن لنا أنه هناك أربعة أجيال:

الجيل الأول 1945 – 1970 جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية
الجيل الثاني 1970 – 1995 جيل الطفرة السكانية وجيل الألفية المبكرة
الجيل الثالث 1995 – 2020 جيل الإنترنت أو جيل الألفية
الجيل الرابع 2020 – 2045 الجيل الجديد أو “جيل الألفا”

حمل كلٌّ من هذه الأجيال إرث حرب بكل ما فيه من ندوب وخوف وفقد وحتى مجد. بدأ التاريخ الحديث يتنفس بعد الرماد المتطاير من الحرب العالمية الثانية، لتُعاد صياغة النظام الدولي وتُولد أجيال جديدة من بين الركام. جيل عاش فترات من الرعب، وجيل نشأ على الحذر والترقب الدائم، وجيل تجرّع صدمة التفكك والتشرذم، وآخر يتأهب لاختبارٍ قد يكون الأعنف في تاريخ البشرية: “الحرب العالمية الثالثة”.
وأصعب جيل هو ذلك الجيل الذي عاصر الحرب العالمية الثانية ونشأ على ذكرياته المؤلمة التي تحفر في قلبه وروحه مشاعر الذعر والدمار والجوع والخوف، وهو يترقب اليوم مع المترقبين فتعود إلى ذاكرته مشاعد تعصف به بدون رحمة وهو قد أصبح الجد الذي يخاف على أحفاده من تكرار التجربة المريرة!!!

في تلك المسافة الزمنية، لم يكن التغيير محصورًا في طبيعة السلاح أو خرائط التحالفات، بل في جوهر الوعي البشري ذاته. فبينما اندلعت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتيال، وأشعلت الثانية بدافع أيديولوجيات وقوميات متطرفة، تُطبخ اليوم أسباب الحرب الثالثة على نار التكنولوجيا، وخُدع الغزو الفضائي، والأزمات المركّبة، والانهيارات الأخلاقية في النظام الدولي، والتركيبات الجنسية في المجتمعات الساقطة.
وما يزيد المشهد قتامة، أن الجيل الذي قد يشهد الحرب المقبلة / القادمة، هو الجيل الذي نشأ في ظل الثورة الرقمية تُغريه محركات الذكاء الاصطناعي الشهية، ومحاطًا بالشاشات والحقائق المضلّلة، وتقوده مواقع التواصل الاجتماعي بكل ما فيها من عوامل إغراء وافتراء وجذب، فاقدًا للثقة بالأنظمة التقليدية، مُناديًا للتربية الحديثة، وأكثر هشاشة أمام حرب لا تشبه سابقاتها لا من حيث التقنيات ولا الإمكانيات ولا حتى قدرة النتائج والتداعيات.
هذا المقال هو رحلة تحليلية بين الحروب الثلاث، واضعًا الأجيال في قلب المعادلة، ليس فقط كضحايا أو مقاتلين، بل كعناصر أساسية لفهم التحوّل العميق بين ماضٍ حارق ومستقبلٍ مجهول المصير.
وكأنّ التاريخ يعيد نفسه، لكن بأسلحة وتقنيات وعقول وأيديولوجيات جديدة… ومثلما أنهت الحرب العالمية الثانية حقبة وبدأت أخرى، لربما نحن الآن نعيش في الأيام الأخيرة لحقبة، وقُبيل مخاضٍ شديد يولّد عالمًا جديدًا… فهل ستتعلم الأجيال القادمة من مآسي الماضي؟ أم أن تكرار الألم شرطٌ جوهري لفهم الحياة، هذا إن فهمناها؟

إن صحّت المؤشرات والتحليلات الجيوسياسية الراهنة، فإننا بالفعل أمام احتمال حقيقي لنشوب حرب كبرى، قد تُصنّف لاحقًا كـ”الحرب العالمية الثالثة”، وقد تكون ذات طابع هجين يجمع بين الحرب الكلاسيكية، والحرب النووية، والسيبرانية، والحروب بالوكالة والتي تلعب في العمالة والعمالة المزدوجة الدور الأبرز.
ومن الملفت فعلاً أن أربعة أجيال كاملة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 نشأت وتطورت في ظل “سلام عالمي هش”، وأن هذه الأجيال:
عرفت فترات رخاء نسبي في بعض الدول الغربية والعربية، لكنها عايشت أيضًا حروبًا محلية مستوردة ونزاعات عرقية دينية وأزمات اقتصادية متكررة، وشهدت صعود أنظمة استبدادية جديدة، واستقطابات أيديولوجية حادة، وعاصرت تحولات مُناخية سواء مقصودة بتدخل بشري أو غضب طبيعة لا يرحم، وجائحات كثيرة مثل كوفيد 19 والذي لن يكون آخرها، وتقدّمًا تكنولوجيًا مذهلًا بالكاد نلحق به.
واليوم، هذه الأجيال الأربعة وما تبقى من جيل الحرب العالمية الثانية، تقف على عتبة عالمٍ مشحون ومتوتر، تختلط أوراقه في أروقة الحكومات الخفية وتُطبخ موائده بأيدي طباخي السم بنفوس نرجسية سيكوباتية مُصابة بجنون العظمة حيث لا يحدها حد ولايردعها أي وازع ديني أو أخلاقي.
ماذا نذكر وعن ماذا نُحدّث:
• مطامع أميركا التي هي في جوع دائم للسيطرة، رحم الله أدولف هيتلر. ولا ننسى الربيع العربي والخريف العربي وعلى ما يبدو فصولها لا تنضب.
• الصين – تايوان وطريق الحرير الجديد.
• روسيا وأوكرانيا.
• الهند وباكستان.
• كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
• احتدام الصراع في الشرق الأوسط، كيف لا وفي خاصرته كيان غاصب تتكلم توراته عن أحلام مخملية وعن توسعات خيالية.
• سباق التسلح، وخاصة النووي والصاروخي والقنابل الذكية.
• تصاعد الخطابات القومية والشعبوية.
• فشل الأمم المتحدة في لعب دور رادع أو فاعل.
• كذلك فشل ذريه لمحكمة العدل الدولية التي تفقه في كل شيء إلا العدالة.

معظم الخبراء لا يجزمون بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون “قريبة حتمًا”، لكنها باتت “قابلة للحدوث” أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، وهو ما تحذر منه تقارير مؤسسات مرموقة مثل:
مجلة Foreign Affairsومؤسسة Research and Development RAND وهي واحدة من أهم مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية في العالم وتُعد ذات تأثير كبير على صنع القرار السياسي والعسكري في الولابات المتحدة والعالم وقد تأسسات عام 1948 في الولايات المتحدة الأميركية. ومعهد ستوكهولم SIPRI Stockholm International Peace Research Institute وقد تأسس عام 1966 بمبادرة من الحكومة السويدية في الذكرى المئوية الثانية للسلام في السويد، وهو أحد أهم وأوثق العاهد الدولية المتخصصة في رصد التسلح، الصراعات العسكرية، ونزع السلاح. كما ويُعتبر مرجعًا معتمدًا للأمم المتحدة، الباحثين، الصحفيين، وصُنّاع القرار في شؤون الحروب والسلام والأمن الدولي. كذلك فإنّ الأمم المتحدة تكلمت عن نشوب حرب عالمية ثالثة وشيكة في بعض تحذيراتها.

بعض المفاصل للتذكير وحتى لا ننسى، فالقاعدة تقول: “ذكذر إن نفعت الذكرى”:
أولاً: الحرب العالمية الأولى
الفترة الزمنية:
بدأت في 28 حزيران / يونيو 1914 وانتهت في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1918
الأسباب:
• الاغتيال السياسي: اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند ولي عهد النمسا في سراييفو على يد قومي صربي.
• التحالفات المعقدة: تشابك العلاقات الدفاعية بين الدول الكبرى.
• التنافس الاستعماري: بين بريطانيا وفرنسا من جهة وألمانيا من جهة أخرى.
• سباق التسلح: ارتفاع كبير في الإنفاق العسكري وتحديث الجيوش.
• القومية المتطرفة: النزعات القومية في البلقان وأوروبا الوسطى.
المحاور المتحاربة:
• الحلفاء: فرنسا، بريطانيا، روسيا، لاحقًا إيطاليا والولايات المتحدة
• القوى المركزية: ألمانيا، النمسا-المجر، الدولة العثمانية، بلغاريا

النتائج:
• خسائر بشرية: أكثر من 16 مليون قتيل.
• تفكك إمبراطوريات: النمسا-المجر، العثمانية، الألمانية، الروسية.
• معاهدة فرساي (1919): فرضت شروطًا قاسية على ألمانيا.
• بذور الفاشية والنازية: إذ اعتُبرت المعاهدة مهينة للألمان.

ثانيًا: الحرب العالمية الثانية
الفترة الزمنية:
بدأت في 1 أيلول / سبتمبر 1939 (غزو ألمانيا لبولندا)، وانتهت في 2 أيلول / سبتمبر 1945 (استسلام اليابان جراء إلقاء أول قنبلة ذرية عرفتها وحشية البشرية)
الأسباب:
• معاهدة فرساي المجحفة: إذ غذّت مشاعر الانتقام الألماني.
• صعود الأنظمة الشمولية: مثل النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا.
• السياسات التوسعية: ألمانيا (أوروبا)، إيطاليا (أفريقيا)، اليابان (آسيا).
• فشل عصبة الأمم: في ردع العدوانيات العسكرية.
• الكساد الاقتصادي العالمي (1929): أدى إلى زعزعة الأنظمة الديمقراطية.

المحاور المتحاربة:
• الحلفاء: بريطانيا، فرنسا، الاتحاد السوفيتي، الولايات المتحدة
• دول المحور: ألمانيا، إيطاليا، اليابان

النتائج:
• أكثر من 70 مليون قتيل.
• انقسام العالم: بين المعسكرين الشرقي (السوفيتي) والغربي (الأمريكي).
• تأسيس الأمم المتحدة عام .(1945)
• بداية الحرب الباردة.
• استخدام القنبلة الذرية لأول مرة (هيروشيما وناغازاكي).

ثالثًا: مقارنة بين الحربين الأولى والثانية

البند الحرب العالمية الأولى الحرب العالمية الثانية
الشرارة الأولى اغتيال سياسي (فرانز فرديناند) الغزو العسكري (بولندا)
الأسلحة المستخدمة تقليدية (مدافع، خنادق، غازات) تكنولوجيا متطورة (نووي، دبابات)
طبيعة الصراع صراع إمبراطوريات صراع أيديولوجي (نازية ضد شيوعية)
الخسائر البشرية حوالي 16 مليون حوالي 70 مليون
نهاية الحرب اتفاقيات سلام متعددة استسلام غير مشروط ومحاكمات
النتائج الجيوسياسية تفكك إمبراطوريات انقسام العالم وبداية الحرب الباردة

رابعًا: مقاربة مع الحرب العالمية الثالثة
تشابه الأسباب:

السبب في الحربين السابقتين اليوم – عام 2025
التحالفات المعقدة تحالفات دفاعية متشابكة الناتو + تحالفات آسيوية
العداء الاقتصادي تنافس استعماري وتجاري صراع أميركا والصين
القومية والتوسع ألمانيا النازية، اليابان روسيا، الصين، إيران
فشل المنظمات الدولية عصبة الأمم الأمم المتحدة مشلولة
التقدم التكنولوجي سباق التسلح الذكاء الاصطناعي، السيبرانية، الفضاء

خامسًأ: احتمالات نشوب الحرب العالمية الثالثة:
• أزمات متراكمة: أوكرانيا، تايوان، محور المقاومة ضد التوسع الصهيوني “غزة – لبنان – اليمن”.
• انهيار الثقة بين الدول الكبرى.
• تهديدات نووية متكررة.
• أزمات اقتصادية عالمية.
• سباق تسلح تكنولوجي – دخول الذكاء الاصطناعي على خط الأسلحة والتجسس.

سادسًأ: أقرب سيناريو متوقع لاندلاع الحرب العالمية الثالثة وفق التحليلات الاستراتيجية الدولية
يعتمد هذا التحليل على آراء وتقارير حديثة لعدد من أبرز المحللين والمراكز البحثية الدولية. ورغم اختلاف الرؤى، إلا أن ثمة إجماع نسبي على أن السيناريو الأقرب في حال نشوب حرب عالمية ثالثة سيكون على النحو الآتي:
1- السيناريو الأرجح
• تصعيد يبدأ من نقطة توتر إقليمية (مثل إيران–إسرائيل أو تايوان) ثم يتوسع ليشمل مواجهة متعددة الجبهات. وكما نرى بدء من 13 حزيران / يونيو بدء الصراع بيت العدو الصهيوني والجمهورية الأاسلامية الايرانية، حيث شن الكيان الغاصب أولى ضرباته التي قتلت العديد من العلماء والقادة العسكريين والمدانيين في إيران.
• استخدام الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي كسلاح رئيسي إلى جانب الهجمات العسكرية، وهذا ما اختبرناه عن كثب في الحرب الأخيرة 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 بين الكيان الغاصب وجبهة المقاومة الفلسطينية “حماس” والفصائب المشاركة، والتي امتدت إلى لبنان كحرب إسناد (المقاومة) وتطهير توسعي (العدو الصهيوني) وقد عصفت بشدة في 23 أيلول / سبتمبر ودامت 66 يوما.
• احتمال استخدام السلاح النووي التكتيكي في مرحلة معينة، خاصة في حالة فشل الردع التقليدي.
• تدخّل القوى الكبرى عبر تحالفات قديمة (مثل الناتو) أو جديدة، مما يحول الحرب إلى شاملة.

2- لماذا هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق؟
• تراكم نقاط التوتر مع خطر واحتكاك سريع (أوكرانيا، تايوان، وخاصة الشرق الأوسط وإيران حاليًأ).
• سباق التسلح التكنولوجي والتقدم التقني فتح فصول الحرب بدون قتال تقليدي شامل، عبر البيانات والسيبرانية خاصة في الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة بدون طيار.
• المطامع الشهية والسعي للسيطرة على قيادة العالم بين قطب واحد الولايات المتحدة أو تعددية قطبية “الصين – روسيا – الولايات المتحدة”
• انهيار الردع الكلاسيكي بين القوى الكبرى بسبب السياسات العدوانية.
• الدفاع الجماعي في حلف الناتو والتحالفات الآسيوية يدفع لرد فعل معمم وسريع.

سابعًأ: النتائج المتوقعة والتداعيات المحتملة على بعض دول العالم المتصارعة بشكل مباشر أو في الظل
يقدم هذا التحليل نظرة مستقبلية مبنية على آراء كبار المحللين ومراكز البحوث العالمية مثل RAND، SIPRI، حول ما قد يحدث إذا نشبت حرب عالمية ثالثة، بما يشمل التأثيرات المتوقعة على الولايات المتحدة، روسيا، الصين، أوروبا، والدول العربية.

– الولايات المتحدة الأميركية
رغم تفوقها العسكري، فإن الولايات المتحدة ستواجه هجمات سيبرانية واستنزافاً داخلياً. قد تُستخدم الأسلحة النووية التكتيكية إذا تعرضت حدودها للتهديد.
– روسيا
قد تبادر روسيا باستخدام النووي التكتيكي، وستحاول توسيع نفوذها شرقاً، مما سيؤدي إلى استنزاف داخلي شبيه بانهيار الاتحاد السوفييتي.
– الصين
من المحتمل أن تستغل الصين الصراع للسيطرة على تايوان ومناطق نفوذها في بحر الصين الجنوبي، مع تفادي المواجهة المباشرة قدر الإمكان.
– أوروبا
ستكون أوروبا ساحة مباشرة للمعركة. ستتأثر دول مثل ألمانيا وفرنسا وبولندا، وتواجه أزمة لاجئين ضخمة وانهيار اقتصادي.
– الدول العربية
الدول ذات الصراعات (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا)
مرشحة لتكون ساحات حروب بالوكالة بين القوى العالمية، وستتفاقم فيها الأزمات الإنسانية.
– دول الخليج (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت)
قد تُستهدف منشآتها النفطية، لكنها تملك احتياطيات تمكنها من الصمود اقتصادياً على المدى القصير.
– دول الممانعة (لبنان، اليمن)
ستشهد دماراً كبيراً، خاصة إذا اندلع صراع إسرائيلي-إيراني (وها هو قد بدأ)، إنه صراع مفتوح على كثير من الاحتمالات والأسئلة التي تُطرح كثيرة: هل سيُشارك حزب الله في الحرب سواء كمساند أو كمدافع إذ أن العدو الصهيوني لن يتردد في جره إلى هذا الآتون بهدف التنفيس عن الداخل كممر هروب شرعي أمام المتطونين أو كنزعة استكبارية ظبنًا منه أنها ضربة ثنائية أو حتى ثلاثية الأبعاد لممحور الممناعة.
– دول شمال إفريقيا (مصر، الجزائر، المغرب، تونس)
ستتأثر اقتصادياً من حيث الغذاء والسياحة والعملة، مع احتمال حدوث اضطرابات داخلية.

خاتمة تحليلية
لن تكون الحرب الثالثة مجرد مواجهة عسكرية، بل متعددة الجبهات: نووية، سيبرانية، اقتصادية وإعلامية.
الخاسر سيكون الجميع، حتى من لم يشارك فعلياً في الحرب. مع إشارة إلى أن العرب قد يدفعون ثمناً باهظاً إن لم يستعدوا لما بعد الحرب. ونعني بذلك ما يلي:
– استعداد الدول العربية للحرب العالمية الثالثة
كيف يمكن للعرب الاستعداد لما بعد الحرب؟
بناء منظومة أمن غذائي ذاتي
أكثر من 60% من الغذاء في الدول العربية مستورد. الحرب ستؤدي إلى قطع سلاسل الإمداد، مما يعني ندرة في القمح والسكر والزيوت، ومجاعات محتملة في دول مثل اليمن، السودان، لبنان، وسوريا.
الحل: دعم الزراعة المحلية – سياسات اكتفاء ذاتي – شراكات إقليمية غذائية.
تحصين الأمن السيبراني
الحرب القادمة ستكون رقمية قبل أن تكون عسكرية. معظم الدول العربية ضعيفة البنية التحتية رقمياً، وستكون عرضة لشلل إلكتروني: كهرباء، مياه، مصارف، إعلام.
الحل: تدريب كوادر سيبرانية، استثمارات في الأمن الرقمي، حماية البنى التحتية الحساسة.
تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على الطاقة البديلة
إذا استُهدفت منشآت النفط الخليجية، سيتوقف الدخل الرئيسي لأغلب هذه الدول.
الحل: دعم الطاقة الشمسية والبديلة، وتصنيع مشتقات النفط محليًا لتأمين السوق الداخلي.
تحقيق وحدة تنسيق دفاعي عربي
بدلاً من اتفاقيات فردية مع دول غربية، هناك حاجة إلى مظلة إقليمية موحدة.
الحل: إنشاء قيادة أزمات مشتركة، مراكز طوارئ متصلة، ومنصة لوجستية عربية.
استثمار المهاجرين العرب (diaspora)
مئات آلاف الأطباء، العلماء، والمهندسين العرب يعيشون في الغرب.
الحل: تأسيس برامج ربط وتعاون فني ومهني معهم بشكل مؤسسي.
إعادة رسم السياسات التعليمية
نحتاج إلى أجيال تقود لا تتبع – تفكر خارج الصندوق بعيدًا عن التبعية القبلية ..
الحل: تعليم نقدي، استراتيجي، علمي، بعيدًا عن التلقين.

ما هي الخسائر المحتملة للعرب إن لم يستعدوا؟

المجال الخسائر المتوقعة
الغذاء مجاعات، اضطرابات، إنهيار في الأمن الاجتماعي
الصحة نقص أدوية، معدات، وفقدان الكوادر الصحية بسبب الهجرة أو القتل
الاقتصاد إنهيار في العملات الوطنية، تضخم، إفلاس حكومات
الأمن حروب أهلية – انفجار داخلي – استغلال الجماعات المتطرفة للفوضى
الهجرة موجات نزوح داخلية وخارجية غير مسبوقة
التكنولوجيا قطع عن الإنترنت العالمي – عزل رقمي – شلل في الخدمات
التعليم انقطاع طويل، فقدان جيل كامل من المتعلمين

الخاتمة
على امتداد قرن من الزمن، تنقّل العالم من حربٍ عالمية أولى أشعلتها القوميات، إلى حربٍ ثانية أشعلها الطغيان، واليوم نقف على عتبة ثالثة محتملة، تتداخل فيها أسباب السيادة الرقمية، الطاقة، التفكك العالمي، وأطماع استرجاع عصر الإمبراطوريات الهتلرية الفرعونية بدون حسيب أو رقيب.
خلال هذه المتغيرات، تعاقبت أربعة أجيال، كان لكل منها نصيبه من الاضطراب، واليوم يقف الجيل الخامس على خط النار بدون أدنى مقومات الاستعدال بل على العكس هو مو مشرذم ومتناثر العقيدة والتبعية القبلية.
الدول الكبرى، رغم امتلاكها أدوات الحرب اللازمة والفتاكة، تدرك أنها لن تخرج منتصرة كنصرها السابق، ولن تحصد ذات النتائج. أما الدول العربية، فهي – كما في كل المرات – في قلب العاصفة مشرعة الصدر بدون درع حامي، وقد يكون الثمن هذه المرة وجوديًا إذا لم تبدأ من الآن بتدعيم جبهاتها الداخلية في الأمن الغذائي، الرقمي، الصحي، والعسكري، وبتنمية وعي شعبي قادر على الصمود وبعيدًا عن التبعية العمياء.
إن لم نصنع خرائطنا الآن، فسنُرسم ضمن خرائط الآخرين، لا كدول بل كجبهات مهجورة في معركة لا ناقة لنا فيها ولا جمل… ولا بقاء، وأتكلم هنا عن معركة الدول الكبرى. أما نحن فأصحاب قضية عمرها بعمر الحياة وبوصلتنا واحدة كانت ولم تزل “الحق” ومحاربة الظلم والإذلال.
الخطر ليس في الحرب نفسها، بل في الجهل بمآلاتها والتجهيل بنتائجها. من لا يعرف ماهية العاصفة ولا يتحضر لما بعد إنتهائها، سيُجرف معها.

المراجع والمصادر
المراجع الأجنبية

RAND Corporation. (2022). The future of warfare in 2030. RAND.
Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI). (2023). SIPRI yearbook 2023: Armaments, disarmament and international security.

المراجع العربية:
بلقزيز، ع. إ. (2021). العرب والتحولات العالمية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة. (2023). سلسلة أبعاد الصراع القادم.