الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / الأستعارة…والتناص في البلاغة!

الأستعارة…والتناص في البلاغة!

إعداد…الدكتور أنور الموسى

الاستعارة
الاستعارة بإيجاز تشبيه حذف أحد طرفيه؛ المشبه أو المشبه به؛ وهي عند الجاحظ: “تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه…”.
والاستعارة ضرب من المجاز اللغوي؛ علاقته المشابهة دائما بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي… والغرض منها قد يكون المبالغة في التشبيه…
والاستعارة تمنح الكلام قوة، وتكسوه حسنا ورونقا؛ وفيها تثار الأهواء والأحاسيس…

• أركان الاستعارة:
– المستعار منه وهو المشبه به.
– المستعار له أو المشبه.
– والمستعار؛ أي: اللفظ المنقول.

• أقسام الاستعارة:
أ- الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين؛ قسمان: استعارة تصريحية واستعارة مكنية.
فالإستعارة تكون تصريحية أو مصرحة إذا ذكر المشبه به وحذف المشبه؛ نحو قول الشاعر يصف مزين يمسك بيده موسى الحلاقة:
إذا لمع البرق في كفه أفاض على الوجه ماء النعيم
لقد شبه الشاعر، على سبيل الاستعارة، الموسى بالبرق، بجامع اللمعان في كل منهما، لكنه حذف المشبه (الموسى)، وأبقى المشبه به (البرق)؛ فالاستعارة تصريحية، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي عبارة: “في كفه”؛ لأن البرق لا يكون في الكف…
ومن الأمثلة على الاستعارة التصريحية أيضا:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد
فقد استعار الشاعر اللؤلؤ والنرجس والورد والعناب للدموع والعيون والخدود والأنامل والأسنان… فكأنه يريد أن يقول: دموعها كاللؤلؤ… فحذف المشبه، وأبقى على المشبه به اللؤلؤ…
ومن الأمثلة أيضا قول تاج الملوك بوري في قصيدة داليّة من مجزوء الكامل والقافية من المتواتر:
أفديـْهِ مِنْ صَنَمٍ أَرَا هُ إذا بدا، فأخِرُّ سَاجِــدْ
هَانَتْ عبادَتـُهُ علـ يَّ، ولسْتُ للأَصْنَامِ سَاجِدْ
دَعْنِي أَبُوْحُ بِحُبـِّهِ فَعَلَيَّ مِنْهُ ألْفُ شَاهِــدْ
ومن الأمثلة على ذلك أيضا نداء الحبيب: يا قمر… أي: يا إنسان كالقمر…
وتكون الاستعارة مكنية إذا ذكر المشبه، وحذف المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه؛ نحو قول الملك الأمجد في قصيدة رائيّة من البسيط والقافية من المتراكب:
بِي من رسيسِ الهَوَى داءٌ يخامِرُنِي طولَ الزّمَانِ إلى مَا صُنَّ بالخُمُرِ
مهفهفاتٌ يغارُ الغصـنُ حِيْنَ يَرَى قدودَهَــا بينَ منآدٍ ومُنأَطِــرِ
فالشاعر شخص الغصن في البت الثاني؛ وجعله كالإنسان الذي يغار ويشاهد (يرى..)، وقد حذف المشبه به الإنسان، وأبقى على المشبه، ورمز إلى المشبه به بشيء من لوازمه: يغار، ويرى… والقرينة حالية تفهم من السياق…

ب-الاستعارة باعتبار اللفظ: أصلية وتبعية، فالأصلية هي ما كان اللفظ المستعار أو الذي جرت فيه الاستعارة اسما جامدا؛ نحو: يا كوكبا… فالكوكب هنا هو اسم جامد… أما التبعية فهي ما كان اللفظ المستعار اسما مشتقا أو فعلا… نحو: عانقت شرفاتها الفضاء…

ج-الاستعارة باعتبار الملائم: مجردة ومرشحة ومطلقة: فالمجردة هي ما ذكر معها ملائم المشبه، والمرشحة هي ما ذكر معها ملائم للمشبه به، والمطلقة هي ما خلت من ملائمات الطرفين، أو ذكر معها ما يلائم المشبه والمشبه به…

د-الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار: مفردة ومركبة؛ فالمفردة هي ما كان المستعار فيها لفظا مفردا كما في الاستعارة المكنية والتصريحية، أما المركبة فهي ما كان المستعار فيها مركبا؛ وهذا النوع يسمى الاستعارة التمثيلية… نحو: لا تنثر الدر أمام الخنازير… المعنى الحقيقي لهذا التركيب هو النهي عن نثر الدر أمام الخنازير؛ لكن هذا الكلام استخدم مجازيا لمن يقدم النصح لمن لا يفهمه ولا يعمل به، لعلاقة المشابهة بينهما، والقرينة حالية تفهم من السياق.

-قيمة الاستعارة (فنيا ومعنويا):
الاستعارة تعطي الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، ومن خصائصها التجسيد في المعنويات، والتشخيص وبث الحركة والحياة والنطق في الجماد؛ فإنك بها ترى الجماد حيا ناطقا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية؛ وهي أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت منزلها، وأحسن الاستعاره إنما يكون إذا تضمنت المبالغة في التشبيه مع الإيجاز…
كما أنها تزين اللفظ، وتحسن النظم والنثر، وتطبع الصورة في المخيلة… وتغني النغم والايقاع… وتحرك الخيال؛ ولا سيما أن الخيال في أكثر صوره في الأدب العربي يقوم عامة على كاهل بعض الفنون البلاغية في مقدمتها الاستعارة والتشبيه بأقسامهما المختلفة، وهما وسيلتان من وسائل تزيين المعاني وبهرجتها وتثبيتها في النفوس، يقول حفني محمد شرف: “…وغاية ما يسعى الأدب إلى تحقيقه التأثير والإقناع بالفكرة أو بصدق الإحساس، حتى تكون مشاركة الناس له، بعد اقتناعهم به وتأثرهم، مظهرا من مظاهر تقديره؛ وهذا يستلزم الأمانة والوضوح، ومن دون ذلك يفقد الأدب عنصر التأثير في قلوب السامعين وعقولهم، وهذا هو السر في ما يلجأ إليه الأدباء من الصور البيانية”( ).
ويذهب عبد الحميد حسن إلى أن الخيال الجزئي الذي يساق للإيضاح والتحلية، أو لبيان حال المشبه، أو تقرير حالة في النفس، أو تحسينه أو تقبيحه، مما ينتزع من مظاهر بصرية أو سمعية أو شكلية، هو الغالب في أدبنا( ).
أما عز الدين إسماعيل فيرى أن الشعر العربي القديم لم يحفل بالصورة الرامزة المشحونة بتجارب أو أطراف من تجارب إلا في النادر، وإنما يحفل بالصورة الشعرية غير الرامزة، وهي ما ترسم المشاهد أو المواقف النفسية وصفا مباشرا، وكذلك يحفل بالصورة الخيالية التي تكسب المعنى خصوبة وامتلاء( ).

التناص والاستعارة
يلاحظ تشابالاستعارة
الاستعارة بإيجاز تشبيه حذف أحد طرفيه؛ المشبه أو المشبه به؛ وهي عند الجاحظ: “تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه…”.
والاستعارة ضرب من المجاز اللغوي؛ علاقته المشابهة دائما بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي… والغرض منها قد يكون المبالغة في التشبيه…
والاستعارة تمنح الكلام قوة، وتكسوه حسنا ورونقا؛ وفيها تثار الأهواء والأحاسيس…

• أركان الاستعارة:
– المستعار منه وهو المشبه به.
– المستعار له أو المشبه.
– والمستعار؛ أي: اللفظ المنقول.

• أقسام الاستعارة:
أ- الاستعارة باعتبار ما يذكر من الطرفين؛ قسمان: استعارة تصريحية واستعارة مكنية.
فالإستعارة تكون تصريحية أو مصرحة إذا ذكر المشبه به وحذف المشبه؛ نحو قول الشاعر يصف مزين يمسك بيده موسى الحلاقة:
إذا لمع البرق في كفه أفاض على الوجه ماء النعيم
لقد شبه الشاعر، على سبيل الاستعارة، الموسى بالبرق، بجامع اللمعان في كل منهما، لكنه حذف المشبه (الموسى)، وأبقى المشبه به (البرق)؛ فالاستعارة تصريحية، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي هي عبارة: “في كفه”؛ لأن البرق لا يكون في الكف…
ومن الأمثلة على الاستعارة التصريحية أيضا:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضت على العناب بالبرد
فقد استعار الشاعر اللؤلؤ والنرجس والورد والعناب للدموع والعيون والخدود والأنامل والأسنان… فكأنه يريد أن يقول: دموعها كاللؤلؤ… فحذف المشبه، وأبقى على المشبه به اللؤلؤ…
ومن الأمثلة أيضا قول تاج الملوك بوري في قصيدة داليّة من مجزوء الكامل والقافية من المتواتر:
أفديـْهِ مِنْ صَنَمٍ أَرَا هُ إذا بدا، فأخِرُّ سَاجِــدْ
هَانَتْ عبادَتـُهُ علـ يَّ، ولسْتُ للأَصْنَامِ سَاجِدْ
دَعْنِي أَبُوْحُ بِحُبـِّهِ فَعَلَيَّ مِنْهُ ألْفُ شَاهِــدْ
ومن الأمثلة على ذلك أيضا نداء الحبيب: يا قمر… أي: يا إنسان كالقمر…
وتكون الاستعارة مكنية إذا ذكر المشبه، وحذف المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه؛ نحو قول الملك الأمجد في قصيدة رائيّة من البسيط والقافية من المتراكب:
بِي من رسيسِ الهَوَى داءٌ يخامِرُنِي طولَ الزّمَانِ إلى مَا صُنَّ بالخُمُرِ( )
مهفهفاتٌ يغارُ الغصـنُ حِيْنَ يَرَى قدودَهَــا بينَ منآدٍ ومُنأَطِــرِ( )
فالشاعر شخص الغصن في البت الثاني؛ وجعله كالإنسان الذي يغار ويشاهد (يرى..)، وقد حذف المشبه به الإنسان، وأبقى على المشبه، ورمز إلى المشبه به بشيء من لوازمه: يغار، ويرى… والقرينة حالية تفهم من السياق…

ب-الاستعارة باعتبار اللفظ: أصلية وتبعية، فالأصلية هي ما كان اللفظ المستعار أو الذي جرت فيه الاستعارة اسما جامدا؛ نحو: يا كوكبا… فالكوكب هنا هو اسم جامد… أما التبعية فهي ما كان اللفظ المستعار اسما مشتقا أو فعلا… نحو: عانقت شرفاتها الفضاء…

ج-الاستعارة باعتبار الملائم: مجردة ومرشحة ومطلقة: فالمجردة هي ما ذكر معها ملائم المشبه، والمرشحة هي ما ذكر معها ملائم للمشبه به، والمطلقة هي ما خلت من ملائمات الطرفين، أو ذكر معها ما يلائم المشبه والمشبه به…

د-الاستعارة باعتبار اللفظ المستعار: مفردة ومركبة؛ فالمفردة هي ما كان المستعار فيها لفظا مفردا كما في الاستعارة المكنية والتصريحية، أما المركبة فهي ما كان المستعار فيها مركبا؛ وهذا النوع يسمى الاستعارة التمثيلية… نحو: لا تنثر الدر أمام الخنازير… المعنى الحقيقي لهذا التركيب هو النهي عن نثر الدر أمام الخنازير؛ لكن هذا الكلام استخدم مجازيا لمن يقدم النصح لمن لا يفهمه ولا يعمل به، لعلاقة المشابهة بينهما، والقرينة حالية تفهم من السياق.

-قيمة الاستعارة (فنيا ومعنويا):
الاستعارة تعطي الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، ومن خصائصها التجسيد في المعنويات، والتشخيص وبث الحركة والحياة والنطق في الجماد؛ فإنك بها ترى الجماد حيا ناطقا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية؛ وهي أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت منزلها، وأحسن الاستعاره إنما يكون إذا تضمنت المبالغة في التشبيه مع الإيجاز…
كما أنها تزين اللفظ، وتحسن النظم والنثر، وتطبع الصورة في المخيلة… وتغني النغم والايقاع… وتحرك الخيال؛ ولا سيما أن الخيال في أكثر صوره في الأدب العربي يقوم عامة على كاهل بعض الفنون البلاغية في مقدمتها الاستعارة والتشبيه بأقسامهما المختلفة، وهما وسيلتان من وسائل تزيين المعاني وبهرجتها وتثبيتها في النفوس، يقول حفني محمد شرف: “…وغاية ما يسعى الأدب إلى تحقيقه التأثير والإقناع بالفكرة أو بصدق الإحساس، حتى تكون مشاركة الناس له، بعد اقتناعهم به وتأثرهم، مظهرا من مظاهر تقديره؛ وهذا يستلزم الأمانة والوضوح، ومن دون ذلك يفقد الأدب عنصر التأثير في قلوب السامعين وعقولهم، وهذا هو السر في ما يلجأ إليه الأدباء من الصور البيانية”( ).
ويذهب عبد الحميد حسن إلى أن الخيال الجزئي الذي يساق للإيضاح والتحلية، أو لبيان حال المشبه، أو تقرير حالة في النفس، أو تحسينه أو تقبيحه، مما ينتزع من مظاهر بصرية أو سمعية أو شكلية، هو الغالب في أدبنا( ).
أما عز الدين إسماعيل فيرى أن الشعر العربي القديم لم يحفل بالصورة الرامزة المشحونة بتجارب أو أطراف من تجارب إلا في النادر، وإنما يحفل بالصورة الشعرية غير الرامزة، وهي ما ترسم المشاهد أو المواقف النفسية وصفا مباشرا، وكذلك يحفل بالصورة الخيالية التي تكسب المعنى خصوبة وامتلاء( ).

التناص

..مفهوم التناص يشي بأن “كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى”، ويشمل هذا التعريف في حقيقته المصطلحين معاً وعملهما، فأيّ نصّ جديد تشكيل من نصوص سابقة أو معاصرة وردت في الذاكرة الشعرية تشكيلاً وظيفيّاً، بحيث يغدو النص الحاضر خلاصة لعدد من النصوص التي امحت الحدود بينها، وكأنّها مصهور من المعادن المختلفة المتنوعة الأحجام والأشكال، فيُعاد تشكيلها وإنتاجها في أحجام وأشكال مختلفة، بحيث لا يبقى بين النّص الجديد وأشلاء النصوص السابقة سوى المادة وبعض البُقع التي تومئ وتشير إلى النّص الغائب، وإذا توخينا التقسيم الدقيق في هذا التعريف فإننا نجده يتضمّن في داخله النص الحاضر والنص الغائب وعملية التناص، أو تشكيل النص الحاضر من النصوص الغائبة تشكيلاً وظيفيّاً “كل نص= النص الحاضر”، “هو امتصاص وتحويل= عملية التناص”، “لكثير من نصوص أخرى= النصوص الغائبة”، ونفهم من هذا التعريف أن التناص يلغي الملكية الخاصة للنص والأجناس الأدبية والمناهج اللاّ نصية؛ فهو يلغي الملكية الخاصة للمؤلف، فالتناص عمل نصوصي آلي حتمي (كل نص امتصاص وتحويل)…
فالتناص عملية متكرّرة بالضرورة، وكلّ نصّ جديد يولد من رحم نصوص قديمة، ثم يتحوّل النّص الجديد بدوره إلى رحم لولادة نصوص أخرى، ومن هنا يتضمّن التناص مقولة “موت المؤلف”، ثم إنّ هذه النصوص ليست من جنس واحد بالضرورة، لأن التعريف السابق لا يحدّد ذلك، فقد يكون النص الغائب شعريّاً أودينيّاً أو تاريخيّاً، أو من التراث الشعبي، أو سوى ذلك، ولذلك فإن مصطلح التناص يقول بتداخل الأجناس الأدبية وسواها، أو يذهب إلى إلغائها، وما دام التناص امتصاص نصوص سابقة وتحويلها إلى نصّ حاضر، فإن العملية لغوية خالصة، ولذلك فإن النص الغائب يلقي الضوء على النص الحاضر لفهمه وتأويله، ومن هنا فإن النص يفسّر النص…