الخميس , مايو 2 2024
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / أثر الإسلام في اللغة من المحاضرة1

أثر الإسلام في اللغة من المحاضرة1

بقلم أ.د. أنور عبد الحميد الموسى

أثر الإِسلام في اللغة العربية

    كانت حياة العرب في الجاهلية تقوم على البغي والإشراك بالله، وعبادة الأصنام، وإتيان الفواحش… إلى غير ذلك من مظاهر الجاهلية، فلما جاء الإسلام، غيّر هذه الحياة، وأخرج العرب من الظلمات إلى النور، وأثر في حياتهم تأثيراً كبيراً، ورسم لهم طريقاً جديداً، ونبذ طريقهم القديم.

    ويعد الأدب، بشعره ونثره، مظهرا من مظاهر الحياة المختلفة، أثر فيه الإسلام كما أثر في غيره من نواحي الحياة… ولما كانت اللغة هي المعبرة عن الأدب؛ ولذا، لا يمكن أن نتصور أدباً من دون لغة… وبناء على ذلك، فإن اللغة تأثرت بالإسلام تأثراً ملموساً في طرق التعبير المختلفة، سواء كان ذلك في المفردات، أو التراكيب، أو البناء العام…. ترى، ما أثر الإسلام في اللغة؟ وما دوره في وحدة اللغة وتهذيبها؟ وما الألفاظ الجديدة التي أضافها؟ وهل قبل بالمعرب؟…

  • أثر الإسلام في اللغة العربية

    للإسلام أثر جلي في لغة “الضاد”، سواء في ما يتعلق بوحدة اللغة، أو انتشارها واتساع أغراضها… فضلا عن معانيها وألفاظها وأساليبها…

أ-وحدة اللغة

    كانت للعرب لهجات جمة…أشهرها لهجة قريش التي شغلت المنزلة الرفيعة بين اللهجات، نظرا إلى تأثير الأسواق، ومواسم الحج، ونفوذ قريش الروحي والاقتصادي بين العرب…وما كانوا عليه من ثقافة وخبرة وتجربة…

    نزل القرآن بلغة قريش، فأيد هذه اللغة التي أصبح لها السيادة والغلبة …

    وحسبك أن تعلم أنّ: المعينية، والسبئية، والقتبانية، واللحيانية والثمودية والصفوية والحضرمية، كلها كانت أسماء للهجات عربية مختلفة، ولم يكن اختلاف الواحدة منها عن الأخرى محصورا في طريقة النطق بالكلمة، من ترقيق أو تفخيم أو إمالة أو نحو ذلك، بل ازداد التخالف واشتد إلى أن انتهى إلى الاختلاف في تركيب الكلمة ذاتها، وفي الحروف المركبة منها، وفي الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.

    فقضاعة مثلا كانت تقلب الياء جيما إذا كانت ياء مشددة أو جاءت بعد العين، وكانت العرب تسمي ذلك: عجعجة قضاعة. علجّ بدل عليّ… العشجّ بدل العشيّ…

    وحمير كانت تنطق ب «أم» بدلا من «أل» المعرفة في صدر الكلمة، وكانت العرب تسمي ذلك طمطمانية حمير، ومن ذلك قول أحدهم لرسول الله يسأله: أمن امبر امصيام في امسفر؟ يريد أن يقول: هل من البرّ الصيام في السفر؟

    فلما نزل القرآن، وتسامعت به العرب، وائتلفت عليه قلوبهم، أخذت هذه اللهجات بالتقارب، وبدأت مظاهر ما بينها من خلاف تضمحل وتذوب، حتى تلاقت تلك اللهجات كلها في لهجة عربية واحدة، هي اللهجة القرشية التي نزل بها القرآن، وأخذت ألسنة العرب على اختلافهم وتباعد قبائلهم تنطبع بطابع هذه اللغة القرآنية الجديدة.

ب-انتشار اللغة وذيوعها:

     أدت الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام إلى انتشار العرب في شتى البلاد المفتوحة، وذيوع اللغة العربية في أكثر هذه الأقطار، وصارت هي اللغة الرسمية فيها، وأصبح يلهج بها بعد قليل سكان سوريا ومصر وفلسطين وافريقيا الشمالية، وصارت لغة الدين والسياسة والثقافة في هذه البلدان وسواها.

ج-اتساع أغراض اللغة التي أخذت تستخدم في تبيان العقائد الدينية التي جاء بها الإسلام، وتوضيح الشريعة، واستنباط الأحكام الملائمة لأحوال الزمان والمكان… وضبط أمور الملك،…

د-ارتقاء المعاني، من خلال اتساع مادتها باتساع المشاهدات… والاقتباس من حضارة الفرس والروم، وتنوع صور الخيال، وروعة جماله، تبعا لتنوع المرئيات الجميلة التي انتزع منها

هـ-ألفاظ اللغة وأساليبها

    شمل التغيير الذي فرضته الحياة الجديدة، ونزول القرآن… وشيوع الحديث… ألفاظ اللغة وأساليبها، وبدا ذلك من خلال:

1-تهذيب ألفاظ اللغة: بمحاكاة ألفاظ القرآن الكريم والحديث الشريف في مجانبة حوشي الألفاظ الذي ينبو عنه السمع، ويمجه الذوق السليم.

2-نشأة ألفاظ أسلامية محضة، مثل “الجاهلية” للعصر الذي سبق ظهور الإسلام، و”المصحف”…

3-التوسع في دلالة الألفاظ: بإخراجها من معنى إلى آخر بينه وبين الأول مناسبة؛ ومن ذلك الألفاظ التي استعملها الشارع في غير معناها الأصلي؛ كالصلاة والصيام والزكاة والمؤمن والكافر والفاسق والمنافق…والألفاظ التي استعملت في نظام الملك ومصطلحات العلوم والصناعات التي عرفت في ذلك العصر.

4-موت ألفاظ منع الشارع استعمال مدلولاتها، أو أعاض عنها غيرها؛ كالمربع والنشيطة والفضول، وعم صباحا وعم ظلاما، وكقولهم “صرورة” للذي لم يحج ولم يتزوج؛ يقول الرسول الكريم: “لا صرورة في الإسلام”.

5-دخول طائفة من الألفاظ الأعجمية في الكلام، وتسمى الكلمة حينئذٍ معربة؛ أمثال: سندس واستبرق والديباج والرقيم وأوَّاه، وحنان والأسفار والربيّون…

القرآن وتهذيب اللغة

    إن متن اللغة العربية، كان مليئا قبل عصر القرآن بالكلمات الحوشية الثقلية على السمع، المتجافية عن الطبع…

    فلما تنزل القرآن، وأقبلت إليه الآذان، أخذت هذه الكلمات الجافية تختفي عن ألسنة العرب رويدا رويدا، وأصبح متن اللغة العربية كله مطبوعا بالطابع القرآني، ونما ذوق عربي في نفوس العرب أنبته لديهم القرآن وأسلوبه.

     وإنك لتدرك هذا جيدا حينما نعرض للمقارنة نصّا أدبيا من العصر الجاهلي وآخر من العصر الإسلامي؛ فستجد أن الأول يمتاز بتضاريس من الجمل والكلمات الثقيلة الخشنة، وأن الثاني قد صقلته البلاغة القرآنية في كلّ من الأسلوب والجمل والكلمات.

     مجمل القول: لقد رقق الإسلام ألفاظ اللغة، وأبعدها من الجفاء والغلظة، وحول أساليبها إلى العذوبة والسلاسة… وأسهم المسلمون من غير العرب في رقي أدب اللغة العربية، فبرز شعراء وخطباء وكتاب أسهموا بنصيب كبير في توسع الأدب وتعدد أغراضه، وبما أن الإِسلام جاء بفكر جديد يحتاج إلى شرح وتوضيح، فقد برزت الخطابة بأساليبها الجديدة… وتوسع كتاب الرسائل في التفنن في أساليبهم، وبرزت المناظرات بفنونها الأدبية والبلاغية، فأثر الإِسلام في اللغة والأدب ظاهر وجلي؛ ولا سيما أثر القرآن في اللغة والأدب، وأثر الحديث في اللغة والأدب…

من المحاضرة1 لطلاب الأدب العربي ف2

ألف مقالا يتناول أثر الإسلام في اللغة العربية….

المصدر:

كتاب الحضارة والأدب في صدر الأسلام والعصر الأموي، للد. أنور الموسى، بيروت، دار المواسم، ط1، 2020

شاهد أيضاً

جيد جدا للطالبة ربيعة زويهد في رسالة ماجستير

ماجستير في اللغة العربية حول ديوان “في مذهب الحب… قلبي خفق”! ناقشت الطالبة ربيعة زويهد …