بقلم حنين رضوان ابراهيم
كيف تحدى القرآن اعظم فصحاء العرب بإعجازه؟
في زمنٍ كانت فيه الكلمة تاج الملوك وسلاح العقول، اشتهر العرب بقوة فصاحتهم وجزالة ألسنتهم، حيث اعتادوا على استخدام اللغة للتفاخر والتباهي بالأنساب، حتى أصبحت الفصاحة جزءًا لا يتجزأ من هويتهم الثقافية. وفي خضم هذا الزخم اللغوي، كان سوق عكاظ يمثل ميادين الشعراء والخطباء، حيث تزهو فيه روائع البيان وتُبدع درر الشعر والأدب.
لكن في هذا السياق الفريد، جاء القرآن الكريم معجزة لغوية غير مسبوقة، فكان نصًّا مختلفًا تمامًا لا يشبه الشعر ولا النثر. حمل القرآن جمالًا فريدًا وعمقًا في المعاني أذهل فصحاء العرب الذين وجدوا أنفسهم أمام إعجاز بياني غير مألوف. لم يكن القرآن مجرد كلمات تُقرأ أو تُتلى، بل كان إعجازًا حقيقيًا شغل البشرية بأسرها.
تحدّى الله تعالى العرب الذين كانوا أهل بلاغة وفصاحة بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ولو بسورة واحدة، فقال سبحانه:
“وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين” (البقرة: 23).
لكنهم عجزوا عن الإتيان بمثله، مع محاولات بعضهم مثل مسيلمة الكذاب وسجاح بنت الحارث، اللذان حاولا تقليد القرآن، إلا أن كلماتهم جاءت ضعيفة لا ترقى إلى جمال النص القرآني وروحه.
إلى جانب الإعجاز البلاغي، يحمل القرآن الكريم إشارات علمية تسبق زمانها. يقول الله تعالى:
“ولو فتحنا عليهم بابًا من السماء فظلوا فيه يعرجون” (الحجر: 14).
العلم الحديث أثبت أن السماء ليست فراغًا، بل تحتوي على غازات، وأجرام سماوية، وأمواج كهرومغناطيسية. فتعبير “بابًا من السماء” يحمل دقة علمية مدهشة، إذ يشير إلى فتح منفذ في هذا الكون المتكامل الذي يُعد أعجوبة في تصميمه.
ظل القرآن الكريم مصدر إلهام لكل من يبحث عن الحقيقة والكمال، ونصًا لم يستطع أعظم فصحاء العرب منافسته أو حتى تحريفه. فهو كتاب الله الذي أنزله ليكون نورًا وهدايةً للعالمين، وكلمة الحق التي لا تتغير عبر الزمن.
القرآن ليس مجرد نصٍ يُقرأ، بل رسالة إلهية تجمع بين الجمال البلاغي، والإعجاز العلمي، وعمق المعاني التي تجعل منه أعظم كتاب عرفته البشرية.