الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / الإشكاليات والفرضيات في الأبحاث الأكاديمية والدراسات العليا والدكتوراه

الإشكاليات والفرضيات في الأبحاث الأكاديمية والدراسات العليا والدكتوراه

  • إعداد د أنور الموسى
  • بين الإشكالية والفرضية
  • الإشكالية

يراد بها الفكرة الرئيسة التي يسعى الطالب إلى معالجتها في بحثه، بهدف إزالة كل ما قد يعتري هذه الدراسة من غموض أو التباسات أو تناقضات… وتوضيحها.

ولعل من المجدي صياغة هذه الإشكالية عبر مجموعة من الأسئلة التي ينوي الطالب الإجابة عنها في رسالته.

ومن المفيد التذكير بأن الإشكالية والأسئلة المنبثقة عنها، ينبغي أن ترتبط بالمنهج المنوي اتباعه في البحث…

صياغة الإشكالية الموقتة

اعتمادا على الفكرة الأولية التي تكونت لدى الطالب حول موضوع بحثه، يستطيع صياغة هذه المشكلة (بل الجزء من المشكلة) في شكل سؤال يمكن وصفه بالإشكالية الموقتة التي تطرأ عليها تعديلات غالبا (تحدد أو توضح أكثر عند تقدم عملية البحث، والإطلاع أكثر على مختلف مجالات المشكلة…)

 

تعريف الإشكاليةLa problématique :

إن الإشكالية الخاصة بكل بحث هي التي تميز هذا البحث من غيره من البحوث التي تتطرق إلى  المشكلة نفسها؛ لأن الإشكالية هي التي تصف وجهة النظر التي تعالج بموجبها المشكلة.

وتعد الإشكالية محطة أساسية في البحث…ولها تعاريف جمة، فموسوعة المعارف L’encyclopédie universalis تحصر الإشكالية في “مجموعة أسئلة تتعلق بموضوع معين”.

فالإشكالية بمنزلة نص مختصر، يصاغ في شكل سؤال يحتوي على مشكلة البحث… إنها صياغة في شكل سؤال، لمجموعة العلاقات القائمة بين أحداث أو فاعلين أو مكونات مشكلة معينة؛ أو هي، أيضا، سؤال لا توجد إجابة شافية أو كاملة عنه في الوقت الحاضر… فيكون هدف الباحث إيجاد جواب عن السؤال المطروح أو حل للمشكلة القائمة.

مجمل القول: إن الإشكالية هي الزاوية التي نختارها لدراسة المشكلة المطروحة ومعالجتها… فعندما يختار الطالب  إشكالية معينة؛ فمعنى ذلك، أنه اختار جانبا من المشكلة وليس المشكلة كلها؛ ومعنى ذلك أيضا، أنه لن يدرس الجوانب الأخرى من المشكلة… فيصبح عمله، وفقا لذلك محددا بزاوية… لا بموضوع عام يتيه في تفاصيله…

وهكذا، تصبح الإشكالية ذلك السؤال الذي يطرح بهدف حصر الغرض من الدراسة وتحديد جانب أو جوانب المشكلة التي يود الباحث دراستها… فمن خلال الإشكالية يحدد الباحث ما يبحث عنه وما يريد تفسيره أو شرحه أو فهمه.

مقاييس الإشكالية

ولا بد من أن تتوافر الإشكالية على مجموعة من المقاييس التي نجملها في النقاط الآتية:

-مقياس الوضوح clarté بحيث تكون دقيقة، موجزة وواضحة.

-مقياس القابلية للبحث، بمعنى أن تكون واقعية.

-مقياس الملاءمة faisabilité أي لها صلة بالموضوع محل البحث.

  • العلاقة بين عنوان البحث والإشكالية

يرى بعض الدارسين أن الإشكالية يمكن عدها إعادة صياغة  لعنوان البحث، على شكل سؤال… وهناك تساؤلات تثيرها الإشكالية تلي السؤال الرئيس مباشرة، ويضعها الباحث “ليثير من خلالها النتائج المتوقعة في البحث، على مستوى كل محور من محاور الدراسة، من طريق ربط كل تساؤل بمحور معين”… عدد تلك الأسئلة غير محدد؛ فقد تكون ثلاث أسئلة أو أربعة أو…

وتفيد التساؤلات في تحديد المحاور الرئيسة للدراسة، وعدم خروجها عن هذه المحاور المعلنة سلفا، وتساهم في جعل عملية التحليل تسير نحو الأهداف المحددة في البحث.

وقد يطرح الباحث أربعة تساؤلات تشكل الجوانب الأربعة التي يتناولها موضوع بحثه. هذه التساؤلات يجب أن تشكل المحاور الأساسية الأربعة للبحث.

نموذج عن إشكالية أطروحة دكتوراه لأنور الموسى تدور حول الحب والغزل في شعر الملوك بين الحقيقة والوهم

يلاحظ مما سبق، أنّ ملوك بني أيّوب الذين قرضوا الشعر وعنوا بنظمه، خصوصا الملك الناصر، والملك الأمجد، والملك بوري، والملك خليل، والملك الأشرف أحمد…، اصطبغ شعرهم بصبغة الحبّ، أو تلون بألوان الغزل…

 

لكنّ السؤال المطروح ههنا: هل كان هؤلاء الملوك يؤدّون لعبة الوجد، وغزلهم أو شعرهم الغزلي تسلية صاحب القصر مرهف الإحساس والميال إلى النظم، أم أنه صدر عن تجربة حقيقية ومعاناة، ويرجع مصدره إلى الرغبة في التخفيف من عبء خاص، وإلى محاولة تحقيق رغبات في عالم الخيال لم تُشْبَعْ في عالم الواقع؟…

وما يعزز قيمة هكذا سؤال إصرار معظمهم على التعلق بحبيبة واحدة تخلت عن حبيبها وهجرته… فهل هناك امرأة تهجر حبيبا ملكا وشابا فارسا؟…

وهناك أسئلة آخرى قد ترد إلى الذهن بعد قراءة بعض الدواوين: لماذا يريد معظم هؤلاء الملوك أن يرسم عن ذاته صورة المحب المعذب، تستبد به المحبوبة (أو الحبيب)، تهجره، ولا تصونه، فيما يبقى هو على العهد، يحمي اسمها ويخفيه، ويبكي من عذابه ويجهر به؟ ألا يخفي كل ذلك عقدا تعود الى الطفولة أو نكوصا إلى الحياة الجنينية…؟

من الفرضيات المقترحة لهذه الإشكالية:

-كان الملوك يؤدون لعبة الوجد، وشعرهم الغزلي تجربة صاحب القصر الميال الى اللهو…

-صدر حبهم عن تجربة حقيقية لها دوافع نفسية… كالارتباط بالأم…

  • ثالثا: الفرضية

هي إجابات افتراضية عن الأسئلة التي تطرحها الإشكالية، وقد يصل الطالب إلى إثباتها أو نفيها، واعتماد إجابات بديلة عنها.

فالبحث عن الأجوبة المسبقة للأسئلة التي تعرضها الإشكالية، وصياغتها، هو ما يعرف بـ “الفرضية”، أي إجابة مسبقة يفترضها الباحث قبل بداية البحث…

بعد صياغة الإشكالية، إذا، يمكن الإجابة عنها في شكل فرضية تعد بمنزلة تصريح يتنبأ بوجود علاقة بين حدين أو أكثر، أو بين عنصرين أو أكثر من عناصر الواقع.

ويجب التحقق من الفرضية في الواقع، وبهذا المعنى، فهي تمثل ركيزة الطريقة العلمية”.

-تعريف الفرضية:

    الفرضية أو hypothèse بالفرنسية، مكونة من كلمتين: hypo التي تعني “شيء أقل ثقة”، و  Thesis بمعنى الأطروحة؛ فتغدو الفرضية تبعا لذلك، “جوابا افتراضيا مبدئيا، مقترحا وموقتا.

ويعرف” المنجد الموسوعي الفرنسي Dictionnaire encyclopédique 2000الفرضية بأنها “الاقتراح الذي ننطلق منه للتفكير في حل مشكلة ما؛ اقتراح ناتج من ملاحظة ما، نجعله محل مراقبة من طريق التجربة، أو نفحصه من طريق الاستنتاج.”

فالسؤال المطروح (الإشكالية) هو الذي يقود إلى صياغة الفرضية على شكل جمل تقترح وجود علاقة بين عدة متغيرات، وهذه الفرضية يجب التأكد منها؛ سواء من طريق البحث الميداني، أو من خلال الملاحظات أو تحليل ممارسات مهنية معينة، لكن لا بد من التذكير بأن هدف البحث ليس إثبات صحة الفرضيات، بل فحصها.

-أمثلة على إشكاليات وفرضياتها:

-الإشكالية: ما مدى انتشار قراءة الصحافة اليومية في الوسط الطلابي اللبناني؟

-الفرضية: الكثير من أساتذة الجامعة يؤكدون أن الطلبة لم يعودوا يقبلون على قراءة الجرائد والمجلات.

-الإشكالية: هل يؤثر إقبال الأطفال اللبنانيين على الإنترنت في التحصيل الدراسي؟

الفرضية: من المحتمل أن تكون هناك نسبة مهمة من الأطفال يتأثر تحصيلها المدرسي بسبب إقبالها على الإنترنت.

-الإشكالية: هل تؤثر عادة قراءة الصحف اليومية لدى الوالدين في أبنائهم؟

-الفرضية: الكثير من الوالدين يشكون من انعدام رغبة قراءة الصحف لدى أبنائهم، مع أنهم يشترون بعض العناوين يوميا، ويحملونها معهم إلى البيت.

يلاحظ من خلال الفرضيات السابقة، أن هذه الأخيرة هي أكثر واقعية من الإشكالية، فهي توضح بدقة العلاقة المنتظرة من عناصر المشكلة محل البحث، وترسم مسار التحليل في البحث، وتوجه عملية إعداده نحو أهدافها المحددة… من حيث جمع المعلومات والحقائق ذات الصلة بالدراسة…

  • خصائص الفرضيات:

للفرضية ثلاث ميزات:

-التصريح بوجود علاقة بين حدين أو أكثر.

-التنبؤ بجواب مسبق عن سؤال الإشكالية.

-وسيلة للتحقق التجريبي (الأمبريقي)؛ أي عملية يتأكد الباحث من خلالها من مدى تطابق الفرضية مع الواقع.

فالبحث هو الذي سيؤكد وجود هذه الفرضية أو تلك… أو ينفيه…

  • أشكال الفرضية

تصاغ الفرضية وفق طرائق مختلفة، وفي هذا السياق، يمكن التمييز بين ثلاثة أشكال رئيسة:

-أحادية المتغير: تأخذ في الحسبان ظاهرة واحدة يتنبأ الباحث بتطورها: “قراء الصحف ينقصون كل سنة”.

الباحث سيهتم هنا بوصف ظاهرة انخفاض عدد قراء الصحف.

-ثنائية المتغيرات: تهتم بالعلاقة بين عنصرين رئيسين؛ أي كلما تغيرت ظاهرة، تغيرت الظاهرة الأخرى، بمعنى أن هناك ارتباطا بين العنصرين.

من الأمثلة عليها: “كلما زاد إقبال التلاميذ على الإنترنت، ضعف مستوى التحصيل المدرسي لديهم”.

العلاقة في هذه الفرضية هي ثنائية المتغيرات؛ زيادة الإقبال تؤدي إلى ضعف المستوى… وهي علاقة سببية أيضا، فالإقبال على الإنترنت سبب ضعف المستوى.

-الفرضية متعددة المتغيرات: وجود علاقة بين عدة ظواهر؛ مثل:

“الاستعمال المفرط للإنترنت يجعل الطلاب الجامعيين أقل إقبالا على الكتاب، وأكثر اطلاعا على ما يجري من أحداث في العالم”.

المتغيرات في هذا المثال هي: الجامعيون، والإنترنت، والكتاب، والإطلاع والأحداث العالمية، أي حدود مترابطة، وكل ظاهرة مسببة أو نتيجة للظاهرة الأخرى.

-شروط الفرضية

تصاغ الفرضية بأسلوب واضح، وبعبارات لا لبس فيها ولا تناقض… ولا تحمل أي تحيز أو تعصب، وتكون العلاقة بين المتغيرات والفروق واضحة، وتكون أيضا قابلة للإثبات…من خلال المنهج المتبع في الدراسة؛ كالمنهج النفسي أو البنيوي…

لا يوجد عدد نموذجي للفرضيات، لكن يفضل أن تكون في حدود الثلاث، فضلا عن أنه ليس من الضروري أن تكون الفرضية صحيحة للتأكد من صدقها وثباتها؛ لكن يجب أن تكون قابلة للقياس  mesurable، والملاحظة  observable ، والعد Quantifiable  ومحددة المفاهيم.

-مثال على العلاقة بين الموضوع، والعنوان، والإشكالية والفرضيات:

الموضوع : العلاقة بين الطلبة والمطالعة

الإشكالية: ما هي الأسباب التي تجعل الطلبة لا يقبلون على المطالعة؟

الفرضيات
-يحجم الطلبة عن المطالعة؛ لأن المدرسة الأساسية لم تعودهم على ذلك.

– يعود عدم الإقبال على المطالعة إلى غلاء سعر الكتاب.

-غياب المكتبات الجوارية سبب رئيس في انعدام المقروئية لدى الطلبة.

يتعلق موضوع البحث، في هذا المثال، بدراسة العلاقة بين الطلبة والمطالعة، وهو هنا، موضوع بحث واسع، ولا يمكن لأي باحث أن يلم بكل جوانبه؛ لذلك لا بد من تقسيمه إلى عدة أجزاء، على أن يختار الباحث جزءا واحدا منها ليدرسه… نذكر على سبيل المثال:

-دور المطالعة في تكوين الطالب،

-أو نوع الكتب التي يقبل عليها الطلبة،

-أو علاقة البرامج الدراسية في المرحلة الابتدائية بالعزوف عن المطالعة.

أسئلة عديدة تطرح على هذا المستوى، وقد أختار الباحث، من بينها السؤال الآتي: لماذا لا يقبل الطلبة على المطالعة؟ ووضع لسؤاله ثلاث فرضيات سيعمل طوال بحثه على تأكيدها أو نفيها، استناد الى المنهج المتبع… أو غير سؤال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.