الأربعاء , مايو 28 2025
الرئيسية / قضايا مجتمع ومناسبات / ندوة الإبداع المعماري ما بين الحضارتين الفينيقية والإسلامية

ندوة الإبداع المعماري ما بين الحضارتين الفينيقية والإسلامية

ندوة الإبداع المعماري ما بين الحضارتين الفينيقية والإسلامية

تقرير بقلم الطالبة زينة بريطع .(لغة عربية)

في عاصمة الجنوب صيدا، وتحت عنوان “العمارة في العصور القديمة”، أقيمت ندوةٌ علمية، في الفرع الخامس لكلية الآداب والعلوم الإنسانية (في قاعة الاحتفالات الكبرى)، برعاية عميدة الكلية أ.د. سهى الصمد، وحضور مدير الكلية أ.د. أحمد نصر الله، وحشد من الشخصيات الاجتماعية والأكاديمية والدينية والإعلامية وأساتذة الكلية ورؤساء أقسامها وموظفيها.. وأدار الندوة أ.د. وسام خليل من قسم الآثار.

تناولت هذه الندوة محورين أساسيين: الأول التراث المعماري في الحضارة الفينيقية وما تركته من آثار في لبنان، حيث تفرّدت بعراقتها وأساليبها…، حاضر فيه د.علي زين الدين(من قسم الفنون والآثار)، مستخدما العروضات البصرية والتكنولوجية المناسبة…
والمحور الثاني تمثّل في عراقة الجسور في العصر الإسلامي والتي امتدّت حتى طالت بمجدها بعض بلدان لبنان ..حاضر فيه طالب الدكتوراه محمد كنعان، وتخللت الندوة نقاشات ومداخلات.

الافتتاح
بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد الجامعة، تحدثت د.ماغي عبيد رئيسة مركز الأبحاث والدراسات الأدبية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية عن أبعاد الندوة بشكل عام.. متوقفة عند أهدافها، مُشيدةً بهذه الفاعليات وبدور الجامعة اللبنانية النهضوي في توسيع دائرة ثقافة الإبداع.
بعدها ألقى مدير الكلية أ.د. أحمد نصر الله كلمة رحب فيها بالحضور، مُبديًا فخره وإعجابه بالإقبال المتزايد على هذه الندوة، متوقفا عند دور الكلية المهم في الحثِّ على هكذا ندوات، مؤكّدا اهمية فاعليتها في توطيد أسس التعلم، إذ إنها السبيل الأمثل للتطبيق الفعلي والمعنوي للمعارف المكتسبة في الكلية، مشيدًا بمدينة صيدا -عاصمة الجنوب وسورهِ- التي اشرأبّت صامدةً، ونفضت عنها غبار الأسى بشموخ، وجراح الحروب بكبرياء وصلابة، مشبهًا إياها” بطائر الفينيق “. وأشاد بشكلٍ خاص بالمشاركين والحضور.
ثم ألقت راعية النشاط عميدة الكلية أ.د. سهى الصمد كلمة شددت فيها على أهمية تنظيم الجامعة اللبنانية لهذه النشاطات في هذا الوقت بالذات، مشيرة إلى أن العلم دائما يرتبط بالحضارات القديمة، منوّهةً بهذه الندوات التي يقدمها الطلاب والأساتذة على سبيل النهوض بالجامعة التي ستبقى الصرح المعرفي اللبناني الأعظم على الرغم من كل التحديات.

وكانت أيضا كلمات ومداخلات لكل من رئيسة قسم الآثار د. هبة قصير وأ.د. وسام خليل ود. عماد غملوس...

العروض:

استهل د.علي زين الدين كلمته باستعراض المعلومات الشائقة التي أذهلت الحاضرين ، فكثر منهم لم يكن على علم ببراعة الفنيقيين في العمارة . وقد شرح د.زين الدين نقاط عديدة، أهمها: التنظيم المدني الذي اعتمدته هذه الحضارة، مظهرًا بالصور والأرقام آخر المخطوطات المعمارية الهندسية التي اكتشفتها فرق الآثار في لبنان ،في وسط العاصمة بيروت(down town). وبيّن أذكى الطرق الفنيقية وأكثرها استثمارًا للمساحات ومدى دقتهم في تقسيم الطرقات (فرعية وأساسية)، والبيوت، وصولا إلى طرق جرّهم الماء بأساليب ذكية.
وما لفت الحضور طريقة(الحامل والمحمول) التي عرّفَنا إليها د.زين الدين في البناء، والزخارف الدقيقة على الصخور التي توحي بذائقة رفيعة المستوى . كما أوضح الأساليب التي تنم عن ذكائهم اللافت في التقنيات الهندسية التي اعتمدوها في جميع عماراتهم من لبنان حتى قرطاجة، ذاكرًا اهتمامهم البليغ بإقامة الأسوار حول المدن ، ومنها بيروت.
ومما استعرضه أيضا المعابد التي برعوا في بنائها، وإدخالهم تماثيل الآلهة بطريقة احترافية في تفاصيلها. كما عرّج على نواويسهم وما تخفيه حولها : فالمعلم الذي يظهر للعوام يخفي تحته سلالم طويلة تقودنا نحو المدفن الأساس.
كذلك شرح كيفية بناء أسوار دفاعية متقنة لحماية المدن الساحلية. كل ذلك قد عرضه د.زين الدين بالصور، مارًّا بمعظم المعالم الفينيقية اللبنانية، موصيًا بزيارة منطقة أم العَمَد في الناقورة ،والمدينة الحديث اكتشافها في بيروت ،ومعلم أشمون في صيدا والصرفند، ومعابد جبيل وغيرها..

وردا على سؤال حول العمار الحاصل فوق بعض المدافن في منطقة صور، أبدى أسفه لذلك..

أما القسم الثاني من الندوة فقد خُصّص للحديث عن الجسور التي أُقيمت خلال العصور الإسلامية، قدمه طالب الدكتوراه علي كنعان.وقد نوّه بأهميتها، فهي التي شكّلت عنصرًا هامًا في البنية التحتية للمدن والطرق. وقد ركّز المحاضر على تطوّر فن بناء الجسور في هذه العصور، لا سيما في الحقب الأيوبية والمملوكية والعثمانية التي انصرمت. وكذلك أوضح أن اعتماد المعماريين المسلمين على الأقواس الحجرية المتينة كان لضمان الثبات ومقاومة الفيضانات. وقد شرح كيفية تصميم الجسور بما يتلاءم مع الطبيعة الجغرافية والأنهار، مع دمجٍ واضح بين الجمال الهندسي والوظيفة العملية، مقدما أبرز الأمثلة في لبنان مثل: جسر الكولا في بيروت، وجسر العاصي في الهرمل، وجسور في البقاع والشوف، ما زالت شاهدة على براعة البناء الإسلامي.
وقد بيّن أهمية هذه الجسور في ربط القوافل التجارية والمناطق الزراعية، وخدمة الحجاج والعابرين آنذاك..
وهكذا انتهت الفقرة الثانية بفقرة الاسئلة المفتوحة… وردا على سؤال حول وجود مثل تلك الجسور في الجنوب وفلسطين المحتلة، أوضح أن الأمر يحتاج إلى دراسة وتحقيق…. 

وفي مداخلته، أوصى أ.د.أنور الموسى بالبدء بدراسات جيولوجية للآثار الإسلامية على صعيد الجنوب، نظرا إلى غياب تلك الدراسات…
كما ذكر ضرورة التوجه نحو أبحاث تسلّط الضوء على ارتباط لبنان بذاك العصر المفعم بالابداع والتألق..
انطباعات
أثرت هذه الندوة معارف من حضر. وقد أثنى الجميع – طلابًا وأساتذة- على ثراء المعلومات التي تضمّنتها في هاتين الساعتين. فالإبداع المعماري القديم، سواء في الحقبة الفينيقية أو الإسلامية أظهر مدى عبقرية الإنسان القديم في توظيف الموارد الطبيعية لبناء منشآت ما تزال قائمة، وهي شاهدة على حضارات عظيمة سبقتنا بعصور..
وفي الختام أكد الطلاب أن الندوة تجربة غنية أضافت الكثير إلى فهمنا،  ولا سيما أنها ربطت بشكل حي ما نتعرف عليه في المقررات الفصلية وما بين الآثار الفعلية الملموسة للتراث المعماري في منطقتنا، على أمل أن يزداد التفاعل مع الندوات أكثر فأكثر لنحلق بكليتنا وجامعتنا في سماء المعرفة والعلم.