بقلم أ.د أنور الموسى
“نصحنا كل العراقيين بعدم الدراسة في لبنان، فاقتنعوا جميعا من خلال قصص قتل مستقبلنا، فذهبوا إلى دول أخرى بأعداد كبيرة جدا بسبب عدم احترام الطالب العراقي بلبنان!
…كلام خطير أرسله لي مؤخرا أحد الأصدقاء العراقيين من خريجي الدكتوراه بلبنان… ذاك الطالب المتفوق يعد حتى الآن وبعد نحو خمس سنوات على تخرجه طالب إجازة فقط، والسبب رفض المعنيين معادلة شهادته العليا وتقديم ما يثبت أنه أنهى دراسته من جامعة توصف بالمرموقة جدا!
لكن قصة هذا الشاب ليست الوحيدة، إذ كشفت الوقائع والاحتجاجات الطالبية العراقية مؤخرا عن جريمة أو مجزرة جماعية طالت أعدادا مهولة من الطلاب العراقيين. ولم تقتصر تلك الفضيحة على ذلك، بل ضربت سمعة التعليم الجامعي بلبنان حتى النخاع، بحيث غدا التفكير بمجرد الاستفسار عن التعلم بلبنان كابوسا يرعب كل عراقي يطمح في التحصيل الجامعي خارج بلده، مفضلا الهرب إلى أي دولة تسهل منحه التوقيع على الشهادة بعد تخرجه.
…وهكذا، يوما بعد يوم، تفاجئنا الأروقة الثقافية والأكاديمية والتربوية في لبنان وبلادنا العربية بالعجب العجاب. هذه المرة مع أعداد كبيرة من الطلبة العراقيين من حملة الماجستير والدكتوراه الذين عشقوا لبنان بلدهم الثاني، فارتأوا التعلم في جامعاته، وبات ذنبهم الوحيد أنهم تفوقوا وكدوا واجتهدوا وتحملوا مشاق العلم… فكانت مكافأتهم في لبنان التأخر المميت في إنجاز معاملاتهم ولا سيما المعادلات والحصول على الشهادات (الجداريات).
ويؤكد هؤلاء المتضررون أنهم أهينوا ولا يزالون، فهبوا بعد الاعتصام الأخير والصاخب لهم، ينشرون صورا وفيديوهات لضربهم ولطمهم من قوى أمنية… والسبب؟ فقط لأنهم يطالبون حضاريا بورقة أو توقيع!
وتؤكد غالبيتهم أن ما يحصل أحدث جرحا عميقا قد يحتاج إلى عقود حتى يلتئم في العلاقات الأكاديمية بين لبنان والعراق. الخاسر الأكبر لبنان وسمعته وجامعاته، لانه ببساطة باتت دول أخرى محط نظر آلاف العراقيين في التعلم العالي… حيث استقطبتهم بكل احترام وبكميات كبيرة، وبتكلفة كان لبنان أحوج ما يكون إليها.
ولدى الاستفسار من الجهات الحكومية العراقية، تبين أن ثروة مالية هائلة تدفع على طلاب الدراسات العليا العراقيين، وتصرف في البلاد التي تحتضن الطالب العراقي، حيث تدفع السلطات العراقية منحة لا تقل عن ثلاثة آلاف دولار شهريا للطالب الذي يزور لبنان بهدف الدراسة… ناهيك بأقساط عالية تدفع للجامعات بالفريش دولار دفعة واحدة.
وهكذا يكون لبنان قد أهدر أموالا لذرائع لا يقتنع بها الطالب العراقي… مع أن هذا البلد الجريح ماليا حتى النخاع بحاجة إلى كل قرش لإعالة نفسه ومواطنيه ومؤسساته.
ويسأل أكاديميون عراقيون من المعتقلة معادلاتهم… ما ذنبنا؟ وفي حال حدث خلل عند بعض الجامعات المزورة، فما ذنب المئات والألف الذين حصلوا شهاداتهم بعرق الجبين؟
وهناك معلومات خطيرة من عدد كبير من المحتجين، مفادها أنهم دفعوا أموالا طائلة لتسريع المعادلات لكنهم لم يفلحوا، ويسألون: أين ذهبت تلك الأموال؟
وبات السؤال عن مصير هؤلاء في وزارة التربية مدعاة فزع عند بعض الموظفين، حيث قال لي أحدهم: سل عن إبليس، لكن لا تسلني عن معادلة لعراقي!
بصريح العبارة، ضربت العلاقة الأكاديمية بين العراق ولبنان، مع أن وسائل الإعلام وحتى القوى المؤثرة تغمض عينيها عن حجم الكارثة.
وهناك من يطالب بالمعاملة بالمثل، وقطع النفط عن لبنان، وقطع العلاقات معه…أو رفع دعاوى جماعية على ما يحصل في المحاكم المحلية والدولية… ولا سيما بعدما انتشرت أخبار وصور عن وفاة متضررين قهرا وظلما.
شئنا أم أبينا، قطعت خيوط الثقة بين الطرفين.. والمتضرر الأول والأخير لبنان وشعبه وجامعاته… كون السياسيين كما يؤكد المتضررون العراقيون، لا تفرق معهم وهدفهم المصالح الخاصة.
ولوحظ أن المتضررين من الإخوة العراقيين ينتمون إلى كل الاختصاصات العلمية والطبية والحقوقية والأدبية وكذلك من مناطق متعددة واتجاهات متنوعة، ومع ذلك لم تشفع لهم الجامعات المرموقة التي لا تحوم حولها الشبهات… في نيل حقهم في أمر بسيط، هو توقيع يحتاج إلى خمس ثوان لا خمس سنوات.
الواقع أن المتضررين يسهبون في الكلام على الضرر اللاحق بهم، مثل عدم تمكنهم من العمل أو الترقية أو… فضلا عن خسارة سنوات في التحصيل ودفع الأموال بدل سكن ومعيشة والدخول في متاهات القلق والغم وربما اليأس والاجحاف…
ويناشد المتضررون كل المعنيين في كلا البلدين بالتدخل ،خصوصا رؤساء الوزراء والجمهورية والتربية، فضلا عن السفارات… قبل أن يدخلوا مرحلة جديدة في نزع الحقوق… مرحلة المحاكم حتى الدولية.
بالخلاصة، خسر هؤلاء سنوات انتظار.. خسروا أموالهم وأموال بلدهم… خسروا التعب والسهر… لكن الخاسر الأكبر الشعب اللبناني لا السياسيون اللبنانيون. الخاسر الأكبر سمعة لبنان الجامعي أكاديميا… الخاسر الثقة بلبنان… يقول أحد المتضررين: زميلي الذي كنت أتفوق عليه نال المراتب العليا والمراكز في جامعات العراق لأنه محظوظ، كونه تعلم خارج لبنان، حيث سهولة الإجراءات في التوقيع والمعادلات.
يبقى كلام مؤثر من النازحين اللبنانيين الى العراق خلال العدوان الصهيوني… مفاده: يا عيب الشوم… ليه نسي المسؤول عن تيسير أوراق العراقيين المعاملة الرائعة التي عاملنا بها الاخ العراقي الكبير.. قدم لنا ولأولادنا مدارسه وجامعاته وبيوته وطعامه…. أليس معيبا أن تعامل مفكريه وخريجيه هكذا؟ يا عيب الشوم.
بدورها، تناشد ز.س وزيرة التربية والتعليم في لبنان بالتدخل العاجل، كونها أكاديمية ونعلم تماما أنها تأبى الظلم… وكلك نناشد رئيس الوزراء اللبناني القاضي نواف سلام بالتدخل كون ما يحصل جريمة لا يقبلها، والمناشدة العاجلة إلى رئيس الجمهورية الذي طالب تبليغه عن الفساد… وأملنا كبير في التدخل القريب.