دور الإعلام الجديد في الأمن الأسري
2020-01-09
ابحاث ودراسات عليا
427 زيارة
بقلم الأستاذة زهراء السيد
ماجستير لغة عربية
يؤدي الإعلام دورًا مهمًّا في مجتمعاتنا، وتتفاوت أهميّته من حيث تقديم المادّة الإعلامية المتنوعة التي تستهدف فئة محدّدة من النّاس.
أصبحت وسائل الإعلام قادرة على تصوير القضايا والأحداث والأشخاص على خلاف الواقع الفعلي، وتقديم تلك التصورات للجمهور على أنّها تمثل الصورة الحقيقية، من خلال توظيف مفهوم الصورة الذهنية، حيث تعرض جزءًا من الصورة الحقيقية عن قضية ما وتقدّمها للجمهور على أنّها تمثّل الصورة الحقيقية بكامل أجزائها، ومن خلال تعرّض المتلقي المستمر لوسائل الإعلام، تتكّون لديه صور ذهنية متعددة عن جملة من القضايا أو الأحداث بناءً على الاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية لتلك الوسائل.
ومع التطوّر الهائل في التكنولوجيا، لم يعد الإعلام مقتصرًا على التلفزيون والراديو والجريدة، إنّما تعدّاه إلى ما يسمّى “ملتي ميديا – media” التي شملت المواقع الإلكترونية والصحف والمجلّات الرقمية. وهذه المواقع هي شبكات مجَّانية متاحة لكل شرائح المجتمع، صُمّمت لتكون سهلة الاستخدام لتيسّر عملية التواصل بين مستخدميها أيًّا كانت انتماءاتهم أو خلفياتهم أو لغاتهم، ومن ثم أصبحت تلك الشبكات والمواقع وسيلة مهمّة جداً في نقل وتبادل المعارف والخبرات، ودعم العلاقات بين مستخدميها حتى أصبحنا نعاني ممّا يمكن تسميته: إدمان مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي كان له تأثيره على المجتمع بشكل عام، والضبط الاجتماعي بشكل خاص.
إنّ كلّ منّا يعي أهميّة التواصل كونه عملية هادفة تقوم على نقل المعلومات وتبادل الآراء والخبرات من أجل تحقيق التفاعل والتفاهم وتبادل الثقافات سواء تمّ ذلك بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.
ومذ أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءًا لا يتجزّأ من حياة الأفراد وخاصة الشباب منهم، لأنهم الأكثر استخدامًا لمواقع التواصل الاجتماعي، جرى الاعتماد على العلاقات الافتراضية التي تضحّي بالقيم العائلية والاجتماعية.
لذا تُطرح الإشكالية الآتية: ما هو أثر الإعلام الجديد على الأمن الأسري؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، ومتى كانت العلاقات بين أفرادها سليمة وتفاعلية، ستنشأ بيئة إيجابية تسهم في تغيير المجتمع بشكل إيجابي.
يشير علماء الاجتماع إلى أنّ الإعلام الجديد وبالتحديد مواقع التواصل الاجتماعي قد أثّرت سلباً على العلاقات الأسرية حيث اتّسعت دائرة التباعد وغاب الحوار ونشأت فجوة في الأفكار بين الآباء والأبناء مما أضعف الصلة والتقارب ودفء العلاقات في الأسرة لصالح علاقات الصداقة الافتراضية، علماً أنّ الأمن والسكينة هما الأساس الذي تنشأ عليه الأسرة كما في الآية الكريمة: “ومن آياتهِ أنْ خَلقَ لكم من أَنفسِكم أزواجاً لتَسكنوا إليها وجَعل بينَكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون”( سورة الروم، الآية 21).
في عصر التقنيات والفضاءات المفتوحة أصبح الإعلام شريكاً مباشراً للأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وقد يكون شريكاً سلبياً لأنَّ التنشئة التقليدية التي تقوم بها الأسرة تعمل وفق نظام اجتماعي مرتبط بالدين والعادات والتقاليد، أما التنشئة الناتجة عن الإعلام فهي تنشئة هجينة من ثقافات متعددة لا يمكن وضع ضوابط لها أو السيطرة عليها.
إنّ هذه الوسائل التكنولوجيّة الجديدة بما تمتلكه من قدرة هائلة على جذب المتلقي، كان لها الأثر البالغ في مخاطبة العقول والأذهان، فقد مكّنت الأفراد من التعبير عن أنفسهم وطرح أفكارهم وتجاربهم وعرض خبراتهم لمن حولهم، كما سمحت لهم بتكوين علاقات جديدة ولكن في مجتمع افتراضيّ ينخرط فيه كلّ فرد تبعًا لميوله وتوجّهاته.
الإعلام الجديد بين مفيد وخطِر:
على الرغم من وجود إيجابيّات للمواقع الإلكترونية تتمثّل في زيادة ثقافة الجمهور وجعله أكثر تفاعلًا مع المحيط ومواكبة للتطور والمستجدّات، وحصول الأفراد على كمٍّ من المعلومات بطريقة سهلة وسريعة.
إلا أنها في الوقت نفسه أثّرت سلبًا على الفرد وجعلته أسيرًا لها، ليصبح بذلك الهاتف الذكي أو الحاسوب أو غيره من الوسائل التي أغرقته في بحر الحياة الافتراضية أكثر قربًا إليه من أي شيء آخر. وبدل أن تكون العلاقة وطيدة بين الأفراد، أصبحت كذلك بينهم وبين الآلة.
هذا الأمر انعكس بشكل كبير على الأسرة بعد أن انغرست التقنيات والتكنولوجيا الحديثة فيها، ممّا خلق تباعدًا بين أفرادها وزعزع تواصلهم، ومتى تزعزع التواصل القائم على تفاعل الأفراد وفهم احتياجاتهم ونشأتهم بشكل سليم بعيدًا عن الانحراف الخلقي والسلوكي، فإنّ المجتمع أيضًا سيصاب بحالة من التفكّك وضعف التفاعل الاجتماعي.
لا بدّ من عرض إيجابيات هذه التقنيات الحديثة وتوضيح سلبياتها التي إذا ما تمّ تجنّبها وفهم ما ينتج عنها فإنّه من المؤكّد الحفاظ على الأمن الأسري، القائم بالدرجة الأولى على فئة الشباب لأنّهم الأكثر انخراطًا في عالم التكنولوجيا.
تتمثّل إحدى إيجابيات الإعلام الجديد في أنّها تقلّل الجهد المطلوب لأداء المهمّات والأعمال وتسمح للأسر بالمشاركة في العديد من الأنشطة بعد زيادة وقت فراغهم ومعرفتهم كيفية استثمار هذا الوقت، خاصة إذا خُصّص جزء منه لتعليم الأطفال أو لتبادل الخبرات وتنمية القدرات داخل المنزل.
لكن هذا لا يعني دمج الوسائل الجديدة بشكل يوميّ في حياة الأسرة، لأنّ ذلك سيعرّض التطور الفكري واللغوي عند الأفراد للخطر، وسيحدّ من خيالهم خاصة إذا أمضوا وقتًا طويلًا في غرفة منعزلة وسيتحوّل التواصل بينهم من تواصل أسريّ إلى تواصل اجتماعي خارج دائرة الأسرة.
وبحسب دراسات أجراها علماء اجتماع لأثر الإعلام الاجتماعي على الأطفال تبين أنَّه يسهم في عزلتهم عن أُسرهم ويصبح التواصل بين أفراد الأسرة قليلاً وهذا يُضعف دور الآباء والأمهات في تقديم النصح والإرشاد لأبنائهم ويقلل من العلاقات الدافئة والصادقة بينهم، ممّا يجعل الأبناء يبحثون عن حلول لمشاكلهم خارج إطار الأسرة من خلال الرجوع للأصدقاء والمجموعات الافتراضية والتي قد تُشَكِّل قدوة سيئة في بعض الأحيان. “هناك أيضاً مشكلة الإدمان على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث ترى عالمة النفس (كيمبرلي يونج) أن استخدامها أكثر من 38 ساعة أسبوعياً يعد إدمانا”.
مخاطر الإعلام الجديد:
إنّ أثر الإعلام في التباعد الأسري يتلخّص فيما يلي:
– تزعزع العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة.
– غياب الجلسات العاطفية والودّية بينهم.
– جعل الفرد منعزلًا عن أقرانه في مجتمعه الخاص.
– تفكّك الروابط الأسرية وقطع سبل التواصل مع الأقارب.
كذلك يمكن إدراج الآثار السلبية للإعلام على المجتمع ككلّ في العناوين الآتي:
• التنشئة الاجتماعية: تسعى بعض وسائل الإعلام إلى إزالة بعض القيم وتثبيت أخرى، من خلال ما تطرحه من نماذج تتعارض مع متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأسرة لتوفيرها للأبناء.
• الاستثارة العاطفية: تتعمّد بعض وسائل الإعلام استثارة مشاعر السخط والتمرّد من خلال عرضها وتركيزها على مشاهد العنف وإثارة الغرائز، فيسهل تحكّمها بأفكار وأفعال الأفراد.
• تقليد ثقافة الآخرين: يميل الشباب من خلال تواصلهم مع أصدقائهم الافتراضيين إلى محاكاتهم والتأثر بثقافتهم المغايرة لثقافتهم الأصيلة ويظهر ذلك من خلال تقليد الملبس والمأكل إضافة إلى احتمالية وقوعهم تحت تأثير ثقافة العنف والابتزاز والتهديد وتشويه صورة الآخر وغير ذلك.
• تفشي ظاهرة الثقافة الهابطة: اهتمام الشباب الذين يمثلون الفئة الأكثر فاعلية في المجتمع بالموضة من ملابس وقصّات شعر وعمليات تجميل والتوجّه نحو الفن وتقليد الفنانين، والاهتمام بالثقافة الغربية وتقليدها على حساب الثقافة الملتزمة التي تطوِّر شخصية الأفراد وترفع من شأن أمّتهم.
خاتمة:
تكمن أهمية التوعية للأفراد في اختيار ما هو مفيد من البرامج واستخدام الوسائل التكنولوجية الجديدة بشكل سليم، إضافة إلى ضرورة مراقبة السلوك لتجنّب التأثيرات السلبية التي تهدّد أخلاقيات الفرد ومعتقداته. وتحصين الأسرة العربية من تأثير ثقافة العولمة من خلال ترسيخ العقيدة في نفوس الأطفال والشباب نظرياً وعملياً وهذا منوط بالأسرة والمدرسة ودور العبادة والنوادي الثقافية ووسائل الإعلام. كذلك ضرورة توجيه الأسرة أبنائها نحو استثمار أوقاتهم في العمل التطوعي والقراءة وممارسة الهوايات بعيداً عن إدمان شبكات التواصل الاجتماعي وتوجيههم نحو استخدام الشبكة العنكبوتية لأغراض علمية تعليمية كإجراء الأبحاث وتوسيع آفاقهم المعرفية، وغرس القيم الإيجابية لدى الأبناء والتي تساعد في ضبط سلوكهم أثناء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كقيمة الانضباط الداخلي والرقابة الذاتية.
في الختام، لا بدّ من الاعتراف أّنّ الإعلام الجديد فرض نفسه ولا بدّ من وجوده، وأثره واضح جدّاً خصوصًا على فئة الشباب، لذلك من الضروري الالتفات إلى كيفية التكيّف معه والاستفادة منه لحماية المجتمع والأسرة من التباعد والتفكّك، من خلال نشر الوعي بين الأفراد لتمكينهم من فهم الإعلام وأهدافه وتوجيههم للاستخدام الصحيح والفعّال.
زهراء السيد- ماجستير أدب عربي.