مراحل تطور النحو التوليدي عند تشومسكي
—————————————-
———————
إن المتتبع لأعمال تشومسكي، يجد أن النحو التوليدي التحويلي عرف مجموعة من التطورات منذ سنة 1957م، وهو تاريخ ظهور أول كتاب له بعنوان “نماذج تركيبية”[17]، ويلاحظ أيضا أن تشومسكي كان في كل مرة يصدر فيها كتابا، يضيف عناصر جديدة إلى هذا النحو انطلاقا من الانتقادات التي توجه له من طرف تلامذته وغيرهم. لذا، كانت هذه التطورات التي خضعت لها نظرية تشومكي اللسانية، بمثابة سد للثغرات التي من شأنها أن تقلل من فعالية هذا النحو في دراسة اللغة وتقنينها، ولا سيما أن المطمح الأكبر الذي كانت اللسانيات التوليدية تروم تحقيقه ولا زالت، ينصب بالأساس على صياغة نحو كلي قادر على استيعاب كل القواعد المشتركة بين كافة اللغات البشرية.
وقد لخص نعمان بوقرة[18] مراحل تطور النحو التوليدي في ثلاث مراحل، وهو ما سنأتي على بيانه فيما يلي:
– المرحلة الأولى: تتمثل في أول كتاب صدر عام 1957م،والموسوم ب”البنيات التركيبية”، بوصفه كتابا يؤرخ لأول ظهور للنظرية التوليدية التحويلية. وتعود جل الأفكار التي طرحها تشومسكي في هذا الكتاب إلى أستاذه زيليك هاريس، مع بعض التغييرات التي وسمت هذا النحو بميسم خاص سنأتي على ذكرها لا حقا.
ويعد هذا الكتاب إطارا نظريا أرسى فيه تشومسكي المبادئ العامة للنحو التوليدي، وكان شغله الشاغل في هذه المرحلة، هو التركيز على الأبعاد البنيوية للجمل دون إعارة المعنى أي اهتمام؛ بدعوى أنه يجب الفصل بين النحو والمعنى، “وأصبح الهدف عند تشومسكي هو اكتشاف البنى التركيبية”[19] للجملة التي صارت المدار الرئيس لأبحاثه ودراساته اللسانية.
لذلك صاغ تشومسكي نظريته وفقا لثلاثة قواعد:
القواعد التوليدية: “عبارة عن جهاز يحتوي على أبجدية رموز هي بمثابة معجمه”، وهذه الأبجدية تخول له إمكانية توليد وتأويل عدد من الجمل دون أن يكون قد سمعها من قبل، وفق سلسلة من الاختيارات؛ بحيث إن كل اختيار يفرض قيودا معينة على الاختيار الذي يليه، كأن نختار في بداية الجملة اسم الإشارة (هذا)، فالذي يعقبه ينبغي أن يكون اسما مفردا لا جمعا، فلا نقول: هذا الأولاد*[21]، و إنما نقول: هذا الولد..
وبما أن النحو التوليدي هو نحو صوري يقوم على مبدأ ترييض الوقائع الملموسة، وتحويلها إلى نماذج ورموز، فإننا نلاحظ أن تشومسكي جاء بما يسمى “قواعد إعادة الكتابة”، وهي قواعد تضطلع بوظيفة “إعادة كتابة الجملة بواسطة رمز يشير إلى عنصر معين من عناصر الكلام”[22]. ومثال ذلك:
الجملة ← مركب اسمي+ مركب فعلي.
المركب الإسمي ← تع + اسم…
القواعد التحويلية: تمكننا هذه القواعد من “تحويل الجملة إلى جملة أخرى تتشابه معها في المعنى”[23]، وذلك عن طريق جملة من التحويلات كالحذف والنقل والإضمار والتقديم…
القواعد الصوتية الصرفية: وهذه القواعد تهتم أساسا بتحويل “المورفيمات إلى سلسلة من الفونيمات، وبمعنى إعادة كتابة العناصر كما تنطق”[24].
إذاً، فهذه هي البنية التي حددها تشومسكي للجملة في نموذجه الأول، ونجد أنه ركز على تحديد المكونات الأساس لأي جملة، مع مراعاة الجانب الداخلي للغة المتمثل في جانب القدرة، وبالضبط في القواعد التوليدية التي تقوم بدور التوليد، وتحديد العناصر الأولية للجملة. سنرى إذا، ما هي المستجدات التي جاء بها تشومسكي في النموذج الثاني لتطوير النموذج الأول؟
– المرحلة الثانية: حاول تشومسكي في هذا النموذج الذي نظر له في كتاب”جوانب من نظرية التركيب”[26]عام1965م، استدراك بعض المكونات التي أهملها في النموذج الأول، نتيجة لمختلف الانتقادات التي تلقاها من طرف بعض تلامذته هم: كاتز وفودر وبوستر، وكان من نتائج هذه الانتقادات، أن أعاد النظر في الفصل الذي كان قد أقامه سابقا بين النحو والمعنى، فأضاف المكون الدلالي، واحتفظ بالمكونات التي قعد لها في نموذج 57، فصارت الجملة تخضع لثلاثة مكونات هي: المكون التركيبي والمكون الدلالي والمكون الصواتي.
ولعل من أهم ما طرحه تشومسكي في هذا النموذج-النموذج المعيار- إلى جانب الإقرار بضرورة خضوع الجملة للمكون الدلالي، مجموعة من الثنائيات، والتي تتحدد في:
– ثنائية البنية العميقة والبنية السطحية.
———————————-
– ثنائية القدرة والإنجاز[27].
فللغة إذا جانبان أساسيان، لا يمكن أن نفهم اللغة إلا بهما هما:” الأداء اللغوي الفعلي ويمثل ما ينطقه الإنسان فعلا أي البنية السطحية للكلام، والكفاءة التحتية وتمثل البنية العميقة للكلام”[28]. علاوة على ذلك، تحدث تشومسكي عن النحو الكلي؛ وهي فكرة استوحاها من نحاة بول رويال Port royal الذين تحدثوا أيضا عن النحو العام.
– المرحلة الثالثة: حاول تشومسكي في هذه المرحلة أن يعيد للتحويلات وظيفتها الجزئية في تحديد دلالة الجملة، بعدما كان قد أقصاها كل من كاتز وفودر، فوسعت النظرية المعيار انطلاقا من هذا التعديل الطفيف على مستوى التحويلات. لذلك، “ربط تشومسكي التمثيل الدلالي بالبنية العميقة والبنية السطحية على السواء، وذلك من خلال:
• قاعدة تفسيرية دلالية أولى للبنية العميقة.
———————————
• قاعدة تفسيرية دلالية ثانية للبنية السطحية”.
—————————————-
فهذه هي أهم التطورات التي مر بها النحو التوليدي التحويلي، انطلاقا من النموذج الأول وصولا إلى النموذج الثالث، ولا زالت نظرية تشومسكي اللغوية تخضع لمجموعة من التعديلات كان آخرها البرنامج الأدنوي، في انتظار ما ستأتي به مستقبلا في هذا المجال، وخاصة أن المطمح الأسمى للسانيات بشكل عام، لا زال يواجه عقبات عدة، تحتاج إلى مزيد من الاجتهاد والمعرفة الواسعة باللغة الإنسانية لتجاوزها.
خاتمة:
——-
إذا كان زيليك هاريس؛ أستاذ تشومسكي، قد سار باللسانيات التوزيعية إلى أبعد مستويات تحليلها، فإن تشومسكي حاول أن يحذو حذو أستاذه، ويتبع خطاه في ترسيخ قواعد ثابتة قادرة على تفسير طبيعة اللغة، مع الانفراد ببعض المميزات التي تسم هذا النحو بميسم خاص؛ ولعل أبرزها يكمن أساسا في الجهاز المفاهيمي الذي جاء به، والذي سميت به هذه اللسانيات أيضا، ونقصد – هنا – مصطلحي التوليد والتحويل؛ باعتبارهما المدار الرئيس لهذا الاتجاه من اللسانيات. هذا وبالإضافة إلى مصطلحات أخرى؛ من قبيل القدرة و الإنجاز، والبنية السطحية والبنية العميقة، إلخ…
غير أنه ما ميز هذا النحو عن غيره من الأنحاء، أنه خضع لمجموعة من التطورات والتعديلات؛ كان يضيف فيها تشومسكي كل مرة عناصر جديدة، نتيجة الأصداء والانتقادات التي يتلقاها من تلامذته أو علماء اللغة بصفة عامة، فيستدرك من خلالها النقائص التي عرفها النموذج الذي قبله. وقد لاحظنا هذا في كتاب تشومكسي الثاني الصادر عام 1965م، عندما أضاف المكون الدلالي إلى نظريته بعدما كانت في النموذج الأول(57)، عبارة عن نحو تركيبي صرف لا يعير لجانب الدلالة أي اهتمام.
وهكذا، نكون قد ألممنا ببعض جوانب هذا النحو، وبينا معالم برنامج تشومسكي العلمي، بما في ذلك؛ المبادئ العامة التي يقوم عليها منهجه في تقعيد اللغة وتحليلها، والتطورات الرئيسة التي خضع لها.
فكان لكل هذه الأسباب، نتائج أسفرت عن بروز أنموذج جديد للتفكير في ماهية اللغة الإنسانية، التي تطرح إشكاليات عدة بكيفية مستمرة، تدعو اللغويين إلى إيجاد حلول لها عن طريق البحث، والوصف ومعاينة الوقائع بعيدا عن النزعة التعميمية والأحكام المعيارية.
جوانب من نظرية تشومسكي اللسانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعــداد : صارة اضوالي
– المبادئ العامة:
—————-
كان بزوغ فجر التوليدية التحويلية في النصف الثاني من القرن العشرين، تقويضا لأسس ودعائم المدرسة السلوكية التي سادت قبيل مجيء تشومسكي بمشروعه اللساني. ولعل الغاية التفسيرية التي طبعت هذه النظرية بطابع خاص، كان لها دور أساس في نشوء مرتكزات قوية ومبادئ متينة، دفعت بها إلى تحقيق ثورة كبرى في الدرس اللغوي الحديث.
إن من أهم المبادئ التي أقام تشومسكي على أساسها صرح النظرية اللغوية:
مبدأ الاكتساب اللغوي.
……………………….
– مبدأ الإبداعية اللغوية.
—————————-
فلا بد عند ذكر النظرية التوليدية التحويلية من استحضار هاتين الخاصيتين _إلى جانب خصائص أخرى_ التي تميز اللغة عند التوليديين التحويليين، في حين تغيب عند باقي الأنحاء التي سبقتها، فما المقصود إذاً بهذين المبدأين عند تشومسكي؟؟
أولاً: مبدأ الاكتساب اللغوي:
————————-
إن خاصية الاكتساب اللغوي عند تشومسكي، مرتبطة أساسا بالمنهج التوليدي ككل، وهو “منهج ذهني يجعل ملكة اللغة قدرة فعالة غريزية وفطرية، وهي قدرة تخص الإنسان وحده”، لذلك يرفض تشومسكي” النظرة الآلية إلى اللغة من حيث كونها عادة كلامية قائمة على المثيرات والاستجابات”، وهي النظرة التي سادت فكر السلوكيين، وقادتهم إلى القول بأن اللغة سلوك لغوي يستجيب لمثيرات خارجية، تخضع لسلطة البيئة بالدرجة الأولى، وأتى تشومسكي بعدهم ليتبنى رأيا مخالفا، يرجح فيه مسألة” أن الاكتساب اللغوي يكون عن طريق امتلاك الإنسان لمعارف لغوية تتضمن قواعد كلية”.
فقد حاول تشومسكي أن يشرح اللغة ويعلل أسبابها من الداخل وليس من الخارج، ذلك أن الطفل يكون قواعد لغته بصورة خلاقة من خلال ما يسمعه من بيئته. وعليه، فإن الطفل يكتسب لغته انطلاقا من الآلية الضمنية التي يمتلكها، والتي تخول له إمكانية التعلم السريع لأي لغة، فالطفل على هذا الأساس، هو الذي يكون مفهوم اللغة ويخلقها شيئا فشيئا، مما يجعله مختلفا عن الحيوان الذي أجريت عليه تجارب عدة، وبينت أنه يفتقد للملكة اللغوية الفطرية التي أودعها الخالق في عباده.
فالقول إذاً، بأن اللغة عبارة عن استجابات لمثيرات خارجية، من الأمور التي يدحضها تشومسكي، ويرفضها رفضا تاما، ويصر في المقابل على” أن بنية التنظيم المعرفي الذي يصل بالطفل إلى اكتساب اللغة، هي بنية معطاة بصورة مسبقة إلى الطفل”. وبهذا، يكون الاكتساب اللغوي ناتج عن مقدرة الإنسان الفطرية، هذه المقدرة التي يطلق عليها مصطلح الكفاية اللغوية أو القدرة الإبداعية.
ثانياً: مبدأ الإبداعية اللغوية:
————————-
كان للفكر العقلاني – الذي ساد أوروبا في القرن السابع عشر – وقع خاص على نظرية تشومسكي اللسانية، بل وقد شكل منطلقاً هاماً لتحديد طبيعة اللغة، ولا سيما القواعد الديكارتية التي حددت لنظريته المعالم الكبرى والخطوات الأساسية التي سيبني عليها منهجه التوليدي التحويلي.
وإذا كانت اللغة هي خصيصة إنسانية، تميز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، فإننا نفترض وجود ما يميز هذه اللغة ويصفها. ومن أقوى الصفات التي تكتسيها اللغة هي صفة الإبداعية، ونقصد بها” مقدرة الإنسان على إنتاج جمل لا حصر لها دون أن يكون قد سمعها من قبل”.
فقد نص تشومسكي على هذه الخاصية التي تعلي من شأن اللغة الإنسانية، وأكد على أهميتها، لأنها تمكن المتكلم من” فهم عدد غير متناهٍ من جمل هذه اللغة وصياغته حتى ولو لم يسبق له سماعه من قبل”.
وهذا المبدأ يعزز بشدة اتجاه تشومسكي إلى دراسة اللغة دراسة داخلية، بعدما لقيت إهمالا وتهميشا من لدن التيارات اللسانية السابقة، كما سارع إلى رد الاعتبار لهذه اللغة، بل وللذات الإنسانية عامة، فبعدما كان الإنسان موصوفا بالتقليد والمحاكاة واجترار ما يسمعه من التراكيب والصيغ اللغوية، أتى تشومسكي ليبطل هذا الزعم، ويؤكد أن اللغة من أهم الأنشطة التي ينفرد بها الإنسان الذي لا يكتفي بتلفظ الصيغ الكلامية التي التقطها سمعه فحسب، وإنما يستطيع أن يولد قدرا كبيرا من الجمل لم يسمعها قط، ويعبر عنها بصورة غير متناهية من التراكيب.
تشومسكي والتراث العربي:
—————————
إعــداد : صارة اضوالي
……………………
بالإضافة إلى اهتمام تشومسكي بدراسة اللغة العبرية الحديثة التي برع فيها والده وأجاد، فقد نالت العربية هي الأخرى حظا وافرا من اهتمام تشومسكي، وهي لغة شأنها شأن العبرية تنتمي إلى قسم اللغات الاشتقاقية لا الإلصاقية، التي تبقى دائما في حاجة إلى سوابق وأحشاء ولواحق حتى يتم معنى الكلمة، أو لإضافة معان جديدة.
وقد “اطلع تشومسكي على اللغة العربية ونحوها أيام كان شابا؛ فقد اطلع على متن الأجرومية لما كان طالبا في المرحلة الجامعية”، وتعلم قواعدها على يد أستاذه روزنتال، مما ينم عن ميوله اللغوي المحض، ورغبته في سن قواعد نحو كلي grammaire universelle تقبله كافة اللغات كيفما كانت.
وتطرح في هذا السياق العلاقة الرابطة بين النحو العربي والنحو التوليدي التحويلي؛ على أساس أن الأول ينتمي إلى العلوم العربية القديمة التي تشكل الأرضية الصلبة، والأساس المتين الحامي لحمى اللغة العربية الشريفة، وأن الثاني من النظريات اللسانية الحديثة التي نمت في أحضان النصف الثاني من القرن المنصرم، حتى غدا قرن التوليدية التحويلية بامتياز. فكيف يمكن تطبيق الثاني على الأول؟؟
ذهب أحد الدارسين وهو أسمهان الصالح مع طالب له في مقال مشترك، إلى القول بأن “المبادئ التي ينادي بها التحويليون لا تختلف إجمالا مع ما جاء به نحويو العربية”، وذلك أن النقط المشتركة بين نحو العربية ونحو التوليدية كثيرة جدا، وعلى رأسها أن المنبع الرئيسي لكل منهما هو العقل. غير أن النحو العربي كان سباقا لكل هذه المبادئ التي أقرها التوليديون في شخص زعيمهم تشومسكي، وما يدل على ذلك هو ما تطرق إليه الدارسان من قضايا تفصح عن حقيقة هذا الأمر، ومن أبرزها:
قضية الأصل والفرع:
——————-
كقولنا إن المفرد هو الأصل للجمع، وأن النكرة أصل والمعرفة فرع…ويقابلها عند تشومسكي ما يعرف بالبنيتين السطحية والعميقة، فالأصل يمثل التركيب الباطني والفرع يمثل التركيب السطحي.
قضية العامل:
———–
ونجد أن تشومسكي يفرد للعامل نظرية خاصة به، وهي نظرية الربط والعامل، أو الربط العاملي – كما يسميها البعض – التي بلورها عام1981م، فيؤكد أن العامل في المقول هو الفعل، أما عامل الفاعل فهو “الصرفة”، التي تتضمن صفات المطابقة والزمن والجهة.
إذاً، فهذه هي القضايا التي شاعت بين نحاة العربية، وأقيمت حولها خلافات كثيرة، ولا سيما بين مدرستي البصرة والكوفة، وها هو تشومسكي يحاول أن يثيرها مجددا، بل ويصنفها ضمن النظريات المنمذجة كما سنرى حين سنتحدث عن مراحل تطور النظرية التوليدية التحويلية.
ومما قد يضاف في هذا السياق أيضا، تلك الخاصية التحويلية التي طبعت جوانب نظرية تشومسكي اللسانية، وهذه الخاصية تحمل في طياتها عدة قواعد من إحلال وتوسع وحذف…، والتي هي نفسها تحضر في الدرس اللغوي العربي ولا تستقيم مسائله الخاصة بهذا الجانب إلا بذكرها.
ومن هنا، يتضح جليا تأثر تشومسكي بالتراث العربي في تكوينه العلمي، ولعل ما أشار إليه الدارسان في المقال من قضايا مشتركة بين النحو العربي والنظرية التوليدية التحويلية، فيه من الدلالة ما يؤكد هذا التأثر.
q
فلسفة اللغة عند نعوم تشومسكي
—————————
(مقال مهم) للدكتورة هناء صبري
………………………………..
يعد تشومسكي أحد أبرز الشخصيات في القرن العشرين ويشبه في ذلك جاليليو, وديكارت, ونيوتن, وموزارت وبيكاسو. إنه أكثر شخصية حية ذكرت أعمالها في فهرس الفنون والإنسانيات من 1980إلى 1992م, وتم الرجوع الى كتبه أكثر من أربعة آلاف مرة, كما أن تشومكسي يعد من أبرز مؤلفي العلوم, فقد ذكرت كتاباته حوالي 1619مرة في قائمة المراجع العلمية من الفترة 1974حتى 1992م, وقد حصل على العديد من الجوائز والمنح منها جائزة Kyoto لعام 1988م, وهي جائزة يابانية تقابل جائزة نوبل, وذلك لإسهاماته العديدة في مجال العلوم الأساسية. وقد قام تشومكسي بنشر ما يزيد على سبعين كتابا وأكثر من ألف مقال في مجالات معرفية كثيرة منها: علم اللغة, والفلسفة, والسياسة, وعلوم الإدراك, وعلم النفس.
تولى تشومكسي منصب أستاذ مساعد في معهد ماساتشوستى للتكنولوجيا عن عمر يناهز التاسعة والعشرين, ووصل الى درجة الأستاذية وهو في الثانية والثلاثين, وقد منح مكانا ثابتا في المؤسسة ومنصبا قياديا في السابعة والثلاثين, ومنح لقب أستاذ مؤسس وهو في السابعة والأربعين وهو منصب شرفي يمنح لأعضاء الهيئة الأكثر تميزا وتفوقا. وجدير بالذكر أيضا أنه حصل على عدد غير محدود من الجوائز والمنح والمناصب الشرفية من مؤسسات وهيئات مختلفة, وفي مجالات متنوعة على رأسها: علم اللغة وعلوم الأدراك التي أحدث فيها ثورات معرفية وتغيرات كبرى. وكتبت عنه دراسات تفوق الحصر من بينها ما يقارب من مائة مقال نشرت في مجموعة من ثمانية مجلدات نشرتها روتلدج.
استقبل عمل تشومكسي في علم اللغة والسياسة والفلسفة على نحو مختلف, فقد اعترف معظم زملائه في علم اللغة والمجالات المعرفية الأخرى التي حازت على اهتمامه بأن اسهاماته في علم اللغة والعقل مذهلة. ففي 1950 كانت لديه ارهاصات قبل علماء اللغة والرياضية وواضعي نظرية المعلومات بوضع دراسة اللغة في مجال جديد مائل للصورية الرياضية, بالإضافة الى ذلك تحول من دراسة تصنيف السلوك اللغوي الانساني الى دراسة جميع العمليات الداخلية للعقل / المخ الانساني, فقد اخترع تشومسكي في علم اللغة حقلا جديدا هو علم اللغة الرياضي, بالإضافة الى ذلك كانت لديه الدوافع الداعية الى احياء وجهة النظر العقلانية من اجل دراسة اللغة بوصفها دراسة العقل, تلك الرؤية التي تم التخلي عنها بحلول منتصف القرن التاسع عشر, لقد ساهم منذ عام 1950 في تطوير نظرية صورية عن اللغات الطبيعية, وخضعت هذه النظرية لتطورات متعددة كان بعض منها تغيرات جوهرية, لكن من الواضح ان هذه التغيرات ما هي الا تقدم نحو الاهداف التي وضعها عمل تشومسكي المبكر, ان الصورة الحالية للنحو الكلي قادرة على تحقيق اهداف نظرية اللغة والعقل التي تمثل احد الانجازات الحقيقية القليلة ضمن المساعي المعتمدة لبناء علم عن العقل الانساني, بالإضافة الى ما سبق اسهامها المبكر في علم اللغة يعتبر الان جزءا مهما وحيويا مما يسمى بالقوة المعرفية في العلوم المتعددة عن العقل, أي ضمن علم النفس, علم اللغة, الفلسفة, وصور النظرية الحاسبية, ولا يمكننا ان ننسى كتابة (البنى التركيبية) الذي ساهم في احداث الثورة في علم اللغة.
ورغم انجازاته المتعددة فان تشو مسكي يتميز بشخصيته المتواضعة وتتضح تلك الصفة في وجهة نظره, ان عمله لم يحدث ثورة معرفية. وفي ذلك يقول ماك جليفري: (ان تشومسكي نفسه اقل حماسا لفكرة: ان عمله احدث ثورة معرفية, لأنه يظن ان الثورة المعرفية الحقيقية حدثت في القرن السابع عشر مع عمل ديكارت, وان المبادئ الاساسية لهذه الثورة اصبحت مفهومة ومتنبأ بها لدى من يسمون انفسهم الان علماء الادراك).
وتتألف الرسالة من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة وقائمة المصادر الفصل الأول: يتناول حياة تشومكسي وأهم العوامل الفكرية والفلسفية المؤثرة في نشأته, وآرائه السياسية, وأهم مؤلفاته.
الفصل الثاني: يقوم بعرض الثورة التي أحدثها تشومكسي في علم اللغة من خلال ايضاح مفهوم الثورة في العلم وسمات البنيوية اللغوية وأهدافها وعيوبها وما حققته ثورة تشومكسي من انجازات.
الفصل الثالث: يعرض السلوكية بأنواعها المختلفة ونقد تشومكسي لها وتبنيه المذاهب العقلاني.
الفصل الرابع: يوضح طبيعة المعرفة اللغوية, ونظريات تعلم اللغة من المنظور السلوكي التجريبي, وأهم الانتقادات التي وجهت لها وعلى وجه الخصوص انتقادات تشومكسي ونظريته في اكتساب اللغة.
الفصل الخامس: يناقش استعمال اللغة والإبداع اللغوي والتناول السلوكي للمعنى ونظرية تشومكسي في المعنى.
وقد استخدمت في دراستي المنهج التحليلي وهو أكثر المناهج الملائمة للتعامل مع قضايا فلسفة اللغة, واستخدمت المنهج التاريخي أحيانا في تأصيل المذاهب والمدارس اللغوية والنفسية وبخاصة التي انتقدها تشومكسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ