الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قراءة في كتاب / وادي الغيوم للد. علي نسر: صراع أيديولوجيات ملبدّة

وادي الغيوم للد. علي نسر: صراع أيديولوجيات ملبدّة

بقلم الكاتب نبيل مملوك

اختار د. علي نسر في باكورة أعماله الروائية “وادي الغيوم” الصادرة عن دار المؤلف-2019 أنْ يحسم المعركة الأدبية القائمة بين الفكرة والسرد لصالح الفكرة، فعنوان الرواية الذي منحها هويّة مأسوية اذا افترضنا ان مشاكل السماء الخارجية تتبلد على شاكلة غيوم فكيف اذا كانت وادي الغيوم؟ لنجد أنفسنا في حلبة تتصارع فيها عدة شخصيات واعية وتحمل أيديولوجيات متفاوتة تشتد بين يوسف قنديل العلماني المقاوم الهارب من ماضٍ عابق بالحروب والدمار، باحثًا عن حرية تجسدت في شربه الخمر وتعدد علاقاته النسائية وكتابته الشعر والنقد، وصلاح المحافظ المؤمن بالنص القرٱني والمبتعد من يوسف الذي حمل لواء التساؤلات التي لا نجرؤ عليها، ليغدو الصراع المفعم بالصداقة القويّة بين طباقين يسمى ب”الصداقة اللدودة”، فقنديل الذي منحه الكاتب مساحة كبرى من المنولوج والبوح والتبرير والسرد بحجة أنه الشخصية الأساسية، قد جعله في الوقت عينه يدخل في نفق الذاتية.. وبان ذلك بوضوح في عدة أحكام ومواقف أطلقها يوسف تنسجم كل الانسجام مع بعض مواقف الدكتور علي التي ترجمها أمام المقربين منه، وفي مقالاته مع تعديل طفيف :…ترعرعت على احتسائه (اشارة للشاي) دون ان أسأل نفسي بمدى اقتناعي به ص ٢٠/ ولكن أنا قلت (سلام) دون عليكم فلماذا اجبتني بعليكم السلام ص.٣٠ / الكاتب نفسه.. نعم هو القارئ الأوفى والأول لنصه وهو من يتلقاه بعد ولادته ص١٧٢…وما يجعلنا نتوفق عنده اكثر تفضيل الشخصية الاساسية المنخرطة في العالم الادبي لتعدد الأصوات الروائية في الرواية :لا أحب هذا النمط من الروايات التي يكون فيها الراوي أحادي السرد والكلام والرؤية… ص ٩١ لكن ألم يكن يوسف قنديل الجريء المتسائل -ان افترضنا ان الكاتب سيتهرب من ارتباطه الفكري بها – اكثر الشخصيات التي تثير أنا القرّاء وفضولهم تحت عنوان الشخصية الرئيسة؟ لكن نسر العارف والمتمكن من ضبط ايقاع النص الادبي وتشريحه قد أعطى صلاح وايمن وحسام حقهم في بسط ايديولوجياتهم فقرأنا في الأول الفكر والفلسفة الاسلامية والروحانية بالرغم من كره صلاح لما درسه وانصرافه للجهاد وكان ايمن المفصل الأساسي في باب السرد الذي حرك بسلاسته مجرى الرواية المليئة بالمفاجٱت والمطبوخة على نار شعرية خفيفة تاركة ل نظريات اجتماعية ونفسية أسطرًا كافية للظهور عبر مشهدية ارتشاف الكأس (ص٢٩) الى التحدث عن زلات اللسان ص ٩١ اضافة الى اختلاق رواية وفاء وجلال التي تمسك بها البطل داخل الرواية مما ضاعف الفضول عند المتلقي لتكوين مبنى الشخصية ومعرفة ما المأساة التي ستنتظر الحبيبين موت أم اندثار الحب التي رسخته أفكار البندقية؟ التي القاها جلال مفضلا الهزيمة واغتصاب ثلاثي جمع الام والوطن ووفاء. واذا اردنا العودة مجددا ،ففي صدر الرواية وتحديدا ص ٦٨ حوارات كشفت عن تكلم لاوعي الشخصيات وتحرك اناهم حين فرض نقاش الوجود والله وتدخله نفسه على الطاولة الباردة في مقهى المدينة .واللافت ان الدكتور علي اختار شخصية ثانوية لتغير مجرى حياة البطل كاسرًا ما اعتدنا عليه ليفرض التراجيدية التقليدية المتمثلة في النهاية باستشهاد صلاح وموت مرام المعنوي امام الحقيقة التي كشفها أبو أيمن امام البطل والتي جعلته وحيدا يستأنف محاكمة ذاته على اخطائه وافعاله إضافة إلى طيف صلاح ونظرياته وسجلاته معه.

الرواية مخيفة بعمقها، تجعلني كتلميذ للكاتب مقصرًا وكقارئ احمل مسؤولية بناء قدراتي الفكرية ،الاحداث التقليدية المجملة بالصدمات والمفاجأة المبدلة التي تجسدت على شكل غيوم لم تكن الا مدخلا ليرسم القارئ الوادي الملبد بالاشكاليات كما اراد أو كما أرادت الشخصيات.