الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / قراءة في قصائد مسابقة «العربي»

قراءة في قصائد مسابقة «العربي»

بقلم أ.د. أنور الموسى

قراءة في قصائد فائزة في مسابقة العربي اليوم

تعيد مسابقة العربي اليوم إلى الساحة الأدبية والشعرية رونقها، وتجعل الناقد يصل إلى نتيجة مفادها أن الشعر بخير، والإبداع بصحة رفيعة… ولا سيما أن النصوص المشاركة اتسمت بالفصاحة والرفعة والبلاغة.. يستوي في هذا الحكم غالبية النصوص التي لم يحالفها الحظ في المراتب الأولى والنصوص الفائزة!
الموضوعية وسمت اختيار الفائزين، وأعضاء لجنة التحكيم اتصفوا بالنزاهة والحيادية..
فالفائزون بمسابقة العربي اليوم للشعر التي عقدت بالتعاون مع الاتحاد العالمي للشعر، هم:
الأول محمد عمر روباري سوريا.. ونصه آخر الفرسان.
الثاني محمد جلال من مصر… ونصه المحبة والسلام.
الثالث ماريا بالومو من إيطاليا.. ونصه «إنه زمن الدماء» قصيدة مترجمة.
الرابع د. أماني سعد ياسين من لبنان.. ونصها: أكان وعدا؟

*المرتبة الأولى: آخر الفرسان…

ودّعْ ظِــلالَ الـــدّارِ والإخــوانِ
كــلُّ الطيورِ تطيرُ عن أوطـاني

والشّمسُ غابَتْ عن ربوعِ ديارِنا
كُسـِفَت بِـفـعلِ الظُّـلم والعـدوانِ

والحــزنُ أوقدَ نارَه في خافـقـي
واليـأسُ حطّـمُ مُنـيـتـي ورَمـاني

والنّــور أطـفـأَ نــورَه في حـيّــنــا
فـغـزَا الظّـلام حـديقـتي ومكـاني

في دورة الـدهـرِ الأســيِّ رأيـتُـني
كـهـلاً كســيحـاً نـاقـصَ الإيـمــانِ

أقتـاتُ من ملحِ الجـراحِ تـوجّعــاً
وأقـدُّ من ســيـلِ الـدِّما شــريـاني

وتـلـفّـنـي كــلُّ النــوائـبِ عـنــوةً
وتصـبُّ كــلّ الآهِ فـي أحـضــاني

الدّمــعُ غـرغـرَ في عيـوني بـارداً
والـهـمُّ قد غـطّــاهُ في أجـفــاني

هـذي الحـيـاة مصائـبٌ ومعــاركٌ
لا تـنـتــهي بـتــقــادمِ الأزمــــانِ

ثـوبُ المــروءةِ بـات مـرميّـاً على
بـابِ الـنّـفـاقِ و شــرفةِ الإذعـانِ

لا جـارَ في الحيِّ الـقـديـمِ تزورهُ
فالكـــلُّ أوصـــدَ بــابَــهُ بـِتـفـانِ

وأَدُوا الضّـيافةَ والأخـوّة والتُّـقى
سلكوا دروبَ وسـاوسِ الشّيطانِ

أفـتـى اللّحـاةُ بكـفـرِنا وعقـوقِـنا
يا شــيخَ مــالٍ صــارَ كالسـّــنْدانِ

قد حلّل الطرْقَ الخبيثَ على الرّبا
ورُبـَاهُ تُقصـَفُ مـن حـمـيـمٍ ثــانِ

عهــدُ الرّجـولـةِ قد أشـاحَ بوجـهـهِ
لم يبـقَ غـيـرُ الـدّودِ في المـيـدانِ

نســفَ الرّجـالُ تـليـدَ آبــاءٍ قضَوا
في محـفـلِ الأمـجــاد والـبُـنـيـانِ

صــارَ الـدُّرَيـهِـمُ ربَّـهـم وربـيـبَـهم
باعـوا لأجـلـهِ خصْـلةَ الــوجــدانِ

سـقطَت أنوفُ الناس من علـيائها
مـاتَ الصّـهـيـلُ لنـدرةِ الفرســــانِ

الشاعر محمد عمر روباري، يصور في قصيدته من بحر الكامل، حال وطنه، ومن خلفه أمته، فالوطن جريح تتقاذفه حروب عبثية، قادتها تجار دين ودنيا..
فصحيح أن «المغزى» في النص يوحي بالمرارة، إلا أن الشاعر وظفه من خلال رموز نفسية وأسطورية هادفة… ليعلن صرخته واحتجاجه على الحرب والتدمير!
فالوطن هو الأم والرحم الذي ينتصر له الشاعر الملتزم الذي وظف له حقولا معجمية متقنة، وتراكيب متينة وصورا حسية لها دلالات سوسيولوجية ونفسية…
أنها قصيدة وطنية متحسرة ناقمة.. وصاحبها يحمل رؤيا كونية!

*المرتبة 2
المحبة والسلام

مِـنَ التُّـــرَابِ خُلِقنَـا كُلُّنَـا بَشَـــرُ ..
إِلَى الوجُــودِ أَتَينَـا فِيـهِ نَنتَشِــرُ

أَبنَــاءُ آدمَ بالتَّكــرِيمِ قَد ظَفِــرُوا ..
فِي البَـرِّ والبَحرِ رَبُّ العَـرشِ مُقتَدِرُ

كَمَا الأدِيــم بألــوَانٍ قَدِ اختَلَفَتْ ..
إِنَّ الخَلَائِقَ ذُو فَضــلٍ وَمُنحَـدِرِ

مَا الفَضلُ إِلَّا بِتَقوَى فِى النُّهَى سَكَنَـتْ ..
وَخَيِّـــرُ النَّاسِ مَنْ بالقَـولِ يَعتَبِـرُ

وَلَيْسَ لِلمَــرءِ إِلَّا مَـا سَعَـى عَمَـلاً ..
وَسَعيُــهُ سَيُــرَى فَاللَّـــوْحُ لَا يَــذَرُ

وَالقَـولُ مِنـهُ فَمَكْتُـوبٌ يُــرَدُّ لَــهُ ..
شَـــرٌ بِشَــرٍّ وَخَيْــرٌ سَـوْفَ يُدَّخَــرُ

أَوْصَى نَبِيُّ الهُـدَى بالحُبِّ فِي أَمَـلٍ ..
أَنْ تَجعَلُوا حُبَّكُــمْ للغَيْــرِ مُعتَبَــرُ

كَيْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ الفِردَوسِ فَاجتَمِعُوا ..
عَلَى المَحَبَّـةٍ ذَاكَ الهَـدْيُ فَأتَمِـرُوا

لَنْ يُؤْمِنَ العَبْــدُ إِلَّا إِن سَمَـا خُلُــقٌ..
وَبالمَحَبَّــةِ نَبْــضُ القَلــبِ يَغْتَمِـــرُ

أَحْبِــبْ لِغَيْـرِكَ مَـا للنَّفْـسِ تَقْبَـلُهُ ..
إِيثَـارُ غَيْـرِكَ قَــد طَابـَتْ بِهِ السِّيَـرُ

لِلسِّلمِ فَاجنَحْ إِذَا مَا القَوْمُ قَد جَنَحُــوا ..
خُسْـرَانُ قَوْمٍ إِذَا يَطْغَى بِهِمْ بَطَــرُ

يطالعنا الشاعر المصري محمد السيد بقصيدة مفعمة بالقيم من بحر البسيط…
والنص يبدو فيه ملمح التناص، لكن التناص هنا بنكهة خاصة وظفها الشاعر للدعوة إلى المحبة والسلام والعطاء…
أسلوب الشاعر متزن مرن سلس وعباراته رشيقة، وبعيدة من الحوشية والغرابة..
نص مفعم بالحكم والوعظ والحياة والمحبة والتسامح… لكن حبذا لو وجدنا بيتا يدعو إلى مقارعة مغتصبي الوطن ولا سيما الصهاينة… لأن هؤلاء لا ينفع معهم سلام!

*المرتبة3
للشاعر الايطالي
ماريا بالومبو
(Maria Palumbo – Italia)
إنه زمن الدماء

قصيدة مترجمة، لكنها ملتزمة بقضية فلسطين، وهذه المرة من أحرار العالم، كون قضية فلسطين قضية عدالة وحق…
يقول الشاعر:
في هذه الأيام
والقدس تبكي
أطفالَها الذين يموتون
انها تبكي من أجل فلسطين
تبكي الذين يطردهم جيرانهم

ولا يعرفون حدودهم أبداًّ…

واضح ان الشاعر يدرك مغزى البكاء والظلم، فصرخته توحي بأنه ضد العذاب… وضد صانعيه..

ويتابع:
دور العبادة
غدت مكانا للعويل
على الذين يُقتَلَعون من جذورهم
على الذين يُطردون من أرضهم
حيث الأسلاك الشائكة
تحيط بالأراضي والقلوب

ويدرك الشاعر حجم الألم والعنصرية والقمع… من سلطة احتلال التي تعيش فوق القانون!
ويضيف:

لقد آن أوان السلام
في زمن الحروب هذا
حتى نعيد الأمل
وحتى لا نلعن الحياة
أين نرفع العلم
لا مزيد من الدماء على الدماء
في قادم الأيام.

… الشاعر يدعو إلى السلام… لكن هل الصهاينة حقا صناع سلام؟ وهل يجوز السلام مع مغتصب الأوطان؟
يذكر ان الترجمة جاءت موفقة لغويا وتركيبيا…

النص الفائز الرابع:
أكان وعداً

بقلم : د أماني سعد ياسين / كاتبة وشاعرة لبنانية

ومرّت الأيّام
وما زالت تهيم بي الأحلام
أحلام ذلك اليوم
وأتيه وأتيه
بدقيقاته ، بثوانيه
وبما فيه من آمالٍ وآلام
لستُ أدري
أما زلت يا حبيبي
على الوعدِ
أما زلت تحنُّ
حنين الأمِّ إلى حرفٍ قدسيّ
أما زالت في فيك
حروفٌ من تلك الكلمات تسري
لستُ أدري يا حبيبي
لستُ أدري
تمهّل تمهّل أيا قلبي
أفي تلك النظرات
التقت الكواكب والشموس ونجوم البحرِ
وانكسفت الشمسُ بالبدرِ
أفي مقلتيك
تباهت الأكوان
واستدارت حلقاتٌ وحلقاتٌ من كوكب زُحلِ
أفلاك ضوءٍ تنفسّت فيها الأكوان من وراء الحجب
أثمرت في جنباتها سحبُ النور وتراقصت تيهاً
تتمايل وتتهادى على عجل
أجل ، أجل يا حبيبي وأجل
ما زلتُ أحبّك كما أحببتكَ دوماً
لا يمنع من حبّي طقوس عذابٍ ولا خجلٍ ولا وجل
أحبّك حبّين لا ثالث لهما
حبّ طفلٍ لحضن والدةٍ
اشتاق دونما خجل
والحبّ الآخر حبّي أنا
وليس له مثيلٌ في المُثُل
تهاوت له الأقدار ساجدةً
تهوى فيوضات الأمل
وعاد ذلك الوعدُ ماثلاً في ذاكرتي ” حيَّ على خيرِ العمل ”
وعد حبٍّ سجدت له الأفلاك تائبةً والشهب
ذابت فيه الأكوان وسالت كذوبان النار بالذهب
وعدُ قلبٍ لقلبٍ دون كلامٍ ولا فائق عمل
وعدٌ تجلّى له الجمال أدمعاً في المقل
وتسامى به الوحي عن عاديات الزمن
وانتصر به النسيان على النسيان فانهمل
وتساءلت الأكوان صارخةً :أكان وعداً
فأجابت السماوات :
بل كان قدراً
ثابتاً راسخاً
نُقشت حروفه على لوحة الزمن
ومضت الأزمان تتسابق حبّاَ
وتهاوت من دونه كلّ الوعود إلى أجل ..
تطالعنا الشاعرة هنا بحديث القلب والوجدان، فتذكرنا بوفاء الوفاء… مستثمرة على غرار الرومنسيين عناصر الطبيعة الأم لتؤكد أصالة حبها وإخلاصها وحنينها…
عبارات رشيقة وسمت اسلوبها مع سهولة وألفاظ تعيينية وتنوع شائق بين الخبر والإنشاء.
قراء بقلم البروفيسور أنور الموسى