أحمد مطر شاعر النقد السياسي
إعداد د. أنور الموسى
من أقواله المعبرة:
« ألقيت بنفسي مبكرا في دائرة النار، عندما تكشفت لي خفايا الصراع بين السلطة والشعب، ولم تطاوعني نفسي على الصمت أولًا، وعلى ارتداء ثياب العرس في المآتم ثانيا، فجذبت عنان جوادي ناحية ميدان الغضب”.
استنادا إلى ذلك، يعد أحمد مطر من أركان الشعر السياسي الصريح الذي ينتقد بلا لف ودوران… فمن هو مطر؟ وما محطات حياته؟ وما أبرز مواقفه الملتزمة؟
أحمد مطر شاعر عراقي ولد سنة 1954م في قرية التنومة، إحدى نواحي شط العرب في البصرة، وهو الابن الرابع بين عشرة أخوة من البنين والبنات، وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرتهوهو في مرحلة الصبا، لتقيم بمسكن عبر النهر فيمحلة الأصمعي.
مكان الولادة والإقامة
ولد أحمد في مدينة البصرة بمنطقة التنومة، وكان لها تأثير واضح عليه، فهي -كما يصفها- تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مدينة مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، وأشجار النخيل، لقد انتقلت أسرته إلى محلة الأصمعي، وهي إحدي محلات البصرة وكانت تسمى في بداية إنشائها بـمحلة “الومبي” نسبة إلي اسم الشركة البريطانيةالتي بنت منازلها، ولعل من طريف القول هنا أن أحمد مطر غالبا ما كان يردد: “من الومبي للومب لي” في إشارة إلى اسم المكان الذي حل به من بريطانيا، ولقد أكمل أحمد دراسته الابتدائية في مدرسةالعدنانية، ولشدة سطوة الفقر والحرمان عليه قرر تغيير نمط حياته لعل فيه راحة له وخلاصا من ذلك الحرمان، فسارع للانتقال إلى بغداد، وبالتحديد إلى منطقة الزعفرانية ليعيش في كنف أخيه الأكبر علي.
بداية مشوار الشعر
في سن الرابعة عشرة بدأ أحمد مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، أما موهبته في الشعر، فبدأت تظهر في أول قصيدة كتبها حيث كان في الصف الثالث من الدراسة المتوسطة، وكانت تتألف من سبعة عشر بيتا، ومن الطبيعي ألا تخرج تلك القصيدة عن نطاق الغزل والهيام وهو أمر شائع ومألوف بين الناس لصبي أدرك منذ أدرك أن الشعر لا يعني سوى الوجد والهيام والدموع والأرق، وكان مطلع القصيدة:
مرقت كالسهم لا تلوي خطاها | ليت شعري ما الذي اليوم دهاها |
يقول بعض من قرأ القصيدة : “إذا نظرنا إلى القصيدة نجد سنًا أكبر من سنه، وهذا لا يتهيأ فنّا ورصيداً لصبي ما زال مخزونه اللغوي والفني في طور التشكيل”. وقد عُرِضَتْ تلك القصيدة في حينها على أحد المختصين فلم يصدق أنها لطالب ما زال في المرحلة المتوسطة، ثم راح أحمد مطر يكتب القصائد في ذكرى مولد النبي محمد والإمام علي بن أبي طالب، ومما كتبه بهذا الخصوص وهو في المرحلة المتوسطة قصيدة مطلعها:
راحت تحاورني | وتسكب همسها |
نغما رقيقا | يستفيق على الفم |
وجاء فيها قوله:
ومشاعر تكبو | تخط سماحة |
فتقول: (رائعة | فضربة لهذم) |
وأحمد مطر هنا يشير إلى قصيدة الجواهري (رسالة إلى أبي هُدى) وهي قصيدة نشرتها جريدة الثورة تحت عنوان رائعة الجواهري، ومطلعها (نبأت أنك توسع الأزياء عتا واعتسافا). وفيها يعاتب الجواهري وزير الداخلية في حينها صالح مهدي عمّاش على منعه الملابس النسائية القصيرة، وعلى إنشائه شرطة الآداب التي راحت تحاسب من يرتدين هذه الملابس.
وبسبب قسوة الحياة والظروف القاهرة التي كان يعيشها مطر، تعثر في دراسته، ولأنه أحبط لجأ إلى الكتاب هربا من واقعه، فزوده برصيد لغوي انساب زادا لموهبته، وأضافت لزاده هذا تلك الأحداث السياسية التي كان يمر به وطنه، وهو أمر جعله يلقي بنفسه في دائرة السياسة مرغما، بعد أن وجد أن الغزل والمواليد النبوية لا ترضي همته، فراح يتناول موضوعات تنطوي على تحريض واستنهاض لهمم الناس للخلاص من واقعهم المر، وفي هذا الصدد يقول الشاعر: “ألقيت بنفسي مبكرا في دائرة النار، عندما تكشفت لي خفايا الصراع بين السلطة والشعب، ولم تطاوعني نفسي على الصمت أولًا، وعلى ارتداء ثياب العرس في المآتم ثانيا، فجذبت عنان جوادي ناحية ميدان الغضب”، فذاع صيته بين الناس، وهو أمر جلب له ألما وسجنا، ويذكر إنه سجن في مدينة الكوت أثناء تأديته لخدمة العلم، بعد رفضه طلبا لمحافظها محمد محجوب بإلقاء قصيدة بمناسبة احتفالات ثورة تموز، فما كان من أحمد مطر إلا أن نظم قصيدة وهو في سجنه يخاطب فيها لائميه يقول مطلعها:
ويك عني لا تلمني فأنا | اللوم غريمي وغريمي بأسي |
حقبة السجن وفقدانه أخوته
في هذه الفترة من حياته رزء بفقد شقيقه الأصغر (زكي) بحادث سيارة مفتعل، وسرعان ما تبعه شقيقه الآخر (خالد) الذي كان منظره وهو متدل من حبل المشنقة لا يفارق أمه الثكلي التي ابيضت عيناها من الحزن على أولادها، ولولا مشاركة الأب الذي كان هيكلا عظميا مسجى على فراش المرض لها وتقاسمه العذاب معها لما استطاعت احتمال فقد أولادها.
حياته في الكويت
وفي الكويت عمل في جريدة القبس محرراً ثقافياً، وعمل أيضاً أستاذاً للصفوف الابتدائية في مدرسةخاصة، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدون قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءتالقصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت “القبس” الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية الانتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرّاء.
أحمد مطر وناجي العلي
وفي رحاب القبس عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّ منهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف -غيباً- أن الآخر يكره ما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.
وكانت لافتتة أحمد مطر تفتتح الصفحة الأولى في الصحيفة، وكان ناجي العلي يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.
موقف السلطات العربية
ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الاثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقدَ أحمد مطر صاحبهناجي العلي الذي اغتيل بمسدس كاتم للصوت، ليظل بعده نصف ميت، وعزاؤه أن ناجي ما زال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه .
الانتقال إلى لندن وحياته فيها
انتقل أحمد مطر إلى لندن عام 1986 بسبب عدم نزوله عن مبادئه ومواقفه ورفضه التقليل من الحدة في أشعاره التي كان ينشرها في “القبس”، وهو أمر لا تستسيغه الكويت، وكانت المنطقة تمر بحربطاحنة، إلا أنه بقي يعمل في مكاتب القبس الدولية، ومن لندن سافر أحمد مطر إلى تونس ليجري فيها اتصالات مع كتابها وأدبائها، فرجع قافلاً إلى لندنليلقي فيها عصا الترحال ويستقر فيها بعيدا عن وطنه، وسرعان ما تسوء علاقته مع القبس، ولا سيما بعد (أن فتحت القبس له قوس الخيبة مع قصيدة “أعد عيني” وقصيدة “الراحلة”) فصارت “الراية” القطرية متنفسه علي العالم بعد أن نحرت الرقيب على أعتاب لافتاته كما يقول أحمد مطر إكراما للحرية، وعن هذا الموضوع يكتب أحمد مطر لافتة بعنوان (حيثيات الاستقالة)..
احمد مطر وقصائد الغزل
دواوين أحمد مطر بجمعها تخلو من قصيدة غزل واحدة!!، وعندما سُئل الشاعر عن إمكانية قولهقصيدة الحب وترك الدوران حول موضوع واحد هو الموضوع السياسي أجاب: ((إن الأرض تكرر دورانها حول الشمس كل يوم، لكنها لا تكرر نفسها حتي في لحظتين متتاليتين، والشعر العربي يكرر موضوعالحب منذ الجاهلية، والقضية برمتها هي عبارة عنرجل يعشق امرأة، وامرأة تحب رجلا، فهل تستطيع القول إن الموضوع قد اختلف عن هذا يوما ما؟ إن هذا الموضوع لم ينته بالتكرار، لأن هناك دائما زاوية جديدة للنظر ونبرة جديدة للبوح وثوبا جديدا للمعنى… إني أتساءل ألا يكون الحب حبا إلا إذا قام بين رجل وامرأة؟! أليس حبا حنينك إلى مسقط رأسك؟ .. أليس حبا أن تستميت لاسترداد الوطن من اللصوص؟…أليس حبا أن تحاول هدم السجن وبناء مدرسة؟… إن البكاء على الأهل والغضب على المقاول، هما أرفع أنواع الحب في مثل هذا الموقف)).
الشعر في زمن الفعل
يقول أحمد مطر: إن الشعر ليس نظاما عربيا يسقط بموت الحاكم، كما أنه ليس بديلا عن الفعل، بل هو قرين له، إنه نوع من أنواع الفنون من مهماته التحريض والكشف والشهادة على الواقع والنظر إلى الأبعد، وهو بذلك يسبق الفعل ويواكبه ويضيء له الطريق ويحرسه من غوائل التضليل، وقديما قال نصر بن سيار: إن الحرب أولها كلام، والواقع إن الكلام محيط بالحرب من أولها إلى آخرها، توعية وتحريضا وتمجيدا، وهذا ما مثله ابن سيار نفسه.
ويتابع قائلاً: لا غني للفعل عن الكلام الصادق المؤثر، لأن غيابه يعني امتلاء الفراغ بالكلام النقيض، ونحن نعلم أن هذا النقيض موجود وفاعل حتي بوجود الصدق، فما بالك إذا خلا الجو تماما؟ وما من مقاومة علي وجه الأرض استغنت بالمقاتل عن الشاعر، كل مقاومة حية تدرك أن لا غني للدم عن الضمير، وتاريخ امتنا نفسه أكبر شاهد علي أهمية دور الشاعر في الحرب، بل إن المقاتل نفسه طالما شحذ سيفه ولسانه معا، فهو يخوض غمرات الوغي(وكر مرتجزاً أو طعنه راجزاً أو هوىً صريعاً وهو يرتجز)، .
ديوان شعره
لأحمد مطر ديوان كبير مطبوع طبعه الشاعر في لندن على نفقته الخاصة ونشره في مكتبتي الساقيوالأهرام تضم المجموعة الكاملة سبع دواوين بعنوان لافتات ( لافتات 1 لافتات 2 لافتات 3 … )، وتضم بعض الدواوين الشعرية الأخرى، مثل: (إني المشنوق أعلاه، ديوان الساعة)، فضلا عن بعض القصائد المتفرقة التي لم يجمعها عنوان محدد، مثل: (ما أصعب الكلام، العشاء الأخير، لصاحب الجلالة، إبليس الأول)، بالإضافة إلى قصائد أخرى نشرها وما زال ينشرها الشاعر على صفحات جريدة الراية…
من شعره
شعر الرقباء
|
-
القصيدة الاولى
الدولة
قالت خيبر:
شبران… و لا تطلب أكثر.
لا تطمع في وطنٍ أكبر.
هذا يكفي…
الشرطة في الشبر الأيمن
و المسلخ في الشبر الأيسر.
إنا أعطيناك “المخفر” !
فتفرغ لحماسٍ و انحر.
إن القتل على أيديك سيغدو أيسر !القصيدة الثانية
مسائله
قلت للحاكم: هل أنت الذي انجبتنا؟
قال : لا.. لست أنا.
قلت: هل صيرك الله إلها فوقنا.
قال: حاشا ربنا.
قلت: هل نحن طلبنا منك أن تحكمنا؟
قال : كلا.
قلت: هل كانت لنا عشرة أوطان
وفيها وطن مستعمل زاد عن حاجتنا
فوهبنا لك هذا الوطن ؟
قال: لم يحدث… ولا احسب هذا ممكنا.
قلت: هل اقرضتنا شيئا
علي ان تخسف الأرض بنا
إن لم نسدد ديننا؟
قال: كلا.
قلت: ما دمت ، إذن ، لست إلها
أو أبا
أو حاكما منتخبا
أومالكا
أو دائنا
فلماذا لم تزل يا ابن الكذا، تركبنا ؟
…… وأنتهي الحلم هنا.
أيقظتني طرقات فوق بابي:
افتح الباب لنا يا أبن الزني.
افتح الباب لنا.
إن في بيتك حلما خائنا القصيدة الثالثة
قصيدة : طاعة أمر السلطان
قال لنا أعمى العيان
تسعة اعشار الايمان
في طاعة أمر السلطان
حتى لو صلى سكران
حتى لو ركب الغلمان
حتى لو أجرم أو خان
حتى لو باع الأوطان
أنا حيران
فاذا كان
فرعون حبيب الرحمن
والجنة في يد هامان
والايمان من الشيطان
فلماذا نزل القران
الكي يهدينا مسواكا
نمحو فيه من الأذهان
بدعة معجون الاسنان
أم ليفصل (دشداشات)
تشبه انصاف القمصان
الذلك قد انزل؟كلا
ما أحسبه انزل الا
ليحرم شرب الدخانأحاديث الأبواب
رقم القصيدة : 63376 نوع القصيدة : فصحى ملف صوتي: لا يوجد (1)
(كُنّا أسياداً في الغابة.
قطعونا من جذورنا.
قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.
هذا هو حظّنا من التمدّن.)
ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد
مِثلُ الأبواب !
(2)
ليس ثرثاراً.
أبجديتهُ المؤلّفة من حرفين فقط
تكفيه تماماً
للتعبير عن وجعه:
( طَقْ ) !
(3)
وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب
هذا الشحّاذ.
ربّما لأنـه مِثلُها
مقطوعٌ من شجرة !
(4)
يَكشِطُ النجّار جِلدَه ..
فيتألم بصبر.
يمسح وجهَهُ بالرَّمل ..
فلا يشكو.
يضغط مفاصِلَه..
فلا يُطلق حتى آهة.
يطعنُهُ بالمسامير ..
فلا يصرُخ.
مؤمنٌ جدّاً
لا يملكُ إلاّ التّسليمَ
بما يَصنعهُ
الخلاّق !
(5)
( إلعبوا أمامَ الباب )
يشعرُ بالزَّهو.
السيّدةُ
تأتمنُهُ على صغارها !
(6)
قبضَتُهُ الباردة
تُصافِحُ الزائرين
بحرارة !
(7)
صدرُهُ المقرور بالشّتاء
يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء.
صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف
يحسدُ ظهرَهُ المُبترد.
ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،
يحسُدُ صدرَهُ
فقط
لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !
(8)
يُزعجهم صريرُه.
لا يحترمونَ مُطلقاً..
أنينَ الشّيخوخة !
(9)
ترقُصُ ،
وتُصفّق.
عِندَها
حفلةُ هواء !
(10)
مُشكلةُ باب الحديد
إنّهُ لا يملِكُ
شجرةَ عائلة !
(11)
حَلقوا وجهَه.
ضمَّخوا صدرَه بالدُّهن.
زرّروا أكمامَهُ بالمسامير الفضّية.
لم يتخيَّلْ،
بعدَ كُلِّ هذهِ الزّينة،
أنّهُ سيكون
سِروالاً لعورةِ منـزل !
(12 )
طيلَةَ يوم الجُمعة
يشتاق إلى ضوضاء الأطفال
بابُ المدرسة.
طيلةَ يوم الجُمعة
يشتاقُ إلى هدوء السّبت
بابُ البيت !
(13)
كأنَّ الظلام لا يكفي..
هاهُم يُغطُّونَ وجهَهُ بِستارة.
( لستُ نافِذةً يا ناس ..
ثُمّ إنني أُحبُّ أن أتفرّج.)
لا أحد يسمعُ احتجاجَه.
الكُلُّ مشغول
بِمتابعة المسرحيّة !
(14)
أَهوَ في الدّاخل
أم في الخارج ؟
لا يعرف.
كثرةُ الضّرب
أصابتهُ بالدُّوار !
(15)
بابُ الكوخ
يتفرّجُ بكُلِّ راحة.
مسكينٌ بابُ القصر
تحجُبُ المناظرَ عن عينيهِ، دائماً،
زحمةُ الحُرّاس !
(16)
(يعملُ عملَنا
ويحمِلُ اسمَنا
لكِنّهُ يبدو مُخنّثاً مثلَ نافِذة.)
هكذا تتحدّثُ الأبوابُ الخشَبيّة
عن البابِ الزُّجاجي !
(17)
لم تُنْسِهِ المدينةُ أصلَهُ.
ظلَّ، مثلما كان في الغابة،
ينامُ واقفاً !
(18)
المفتاحُ
النائمُ على قارعةِ الطّريق ..
عرفَ الآن،
الآن فقط،
نعمةَ أن يكونَ لهُ وطن،
حتّى لو كان
ثُقباً في باب!
(19)
(- مَن الطّارق ؟
– أنا محمود .)
دائماً يعترفون ..
أولئكَ المُتّهمون بضربه !
(20)
ليسَ لها بيوت
ولا أهل.
كُلَّ يومٍ تُقيم
بين أشخاصٍ جُدد..
أبوابُ الفنادق !
(21)
لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.
كلاهُما، اليومَ،
عاطِلٌ عن العمل !
(22)
– أحياناً يخرجونَ ضاحكين،
وأحياناً .. مُبلّلين بالدُّموع،
وأحياناً .. مُتذمِّرين.
ماذا يفعلونَ بِهِم هناك ؟!
تتساءلُ
أبوابُ السينما.
(23)
(طَقْ .. طَقْ .. طَقْ )
سدّدوا إلى وجهِهِ ثلاثَ لكمات..
لكنّهم لم يخلعوا كَتِفه.
شُرطةٌ طيّبون !
(24)
على الرّغمَ من كونهِ صغيراً ونحيلاً،
اختارهُ الرّجلُ من دونِ جميعِ أصحابِه.
حَمَلهُ على ظهرِهِ بكُلِّ حنانٍ وحذر.
أركَبهُ سيّارة.
( مُنتهى العِزّ )..قالَ لنفسِه.
وأمامَ البيت
صاحَ الرّجُل: افتحوا ..
جِئنا ببابٍ جديد
لدورةِ المياه !
(25)
– نحنُ لا نأتي بسهولة.
فلكي نُولدَ،
تخضعُ أُمّهاتُنا، دائماً،
للعمليّات القيصريّة.
يقولُ البابُ الخشبي،
وفي عروقه تتصاعدُ رائِحةُ المنشار.
– رُفاتُ المئات من أسلافي ..
المئات.
صُهِرتْ في الجحيم ..
في الجحيم.
لكي أُولدَ أنا فقط.
يقولُ البابُ الفولاذي !
(26)
– حسناً..
هوَ غاضِبٌ مِن زوجته.
لماذا يصفِقُني أنـا ؟!
(27)
لولا ساعي البريد
لماتَ من الجوع.
كُلَّ صباح
يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِـه
ويُطعِمُهُ رسائل !
(28)
( إنّها الجنَّـة ..
طعامٌ وافر،
وشراب،
وضياء ،
ومناخٌ أوروبـّي.)
يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة
بابُ الثّلاجة !
(29)
– لا أمنعُ الهواء ولا النّور
ولا أحجبُ الأنظار.
أنا مؤمنٌ بالديمقراطية.
– لكنّك تقمعُ الهَوام.
– تلكَ هي الديمقراطية !
يقولُ بابُ الشّبك.
(30)
هاهُم ينتقلون.
كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة.
ليسَ في المنـزل إلاّ الفراغ.
لماذا أغلقوني إذن ؟!
(31)
وسيطٌ دائمٌ للصُلح
بين جِدارين مُتباعِدَين !
(32)
في ضوء المصباح
المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ
يتسلّى طولَ الليل
بِقراءةِ
كتابِ الشّارع !
(33)
( ماذا يحسبُ نفسَه ؟
في النّهاية هوَ مثلُنا
لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض.)
هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل
كُلّما لاحَ لها
بابُ طائرة.
(34)
من حقِّهِ
أن يقفَ مزهوّاً بقيمته.
قبضَ أصحابُهُ
من شركة التأمين
مائة ألفِ دينار،
فقط ..
لأنَّ اللصوصَ
خلعوا مفاصِلَه !
(35)
مركزُ حُدود
بين دولة السِّر
ودولة العلَن.
ثُقب المفتاح !
(36)
– محظوظٌ ذلكَ الواقفُ في المرآب.
أربعُ قفزاتٍ في اليوم..
ذلكَ كُلُّ شُغلِه.
– بائسٌ ذلك الواقفُ في المرآب.
ليسَ لهُ أيُّ نصيب
من دفءِ العائلة !
(37)
ركّبوا جَرَساً على ذراعِه.
فَرِحَ كثيراً.
مُنذُ الآن،
سيُعلنون عن حُضورِهم
دونَ الإضطرار إلى صفعِه !
(38)
أكثرُ ما يُضايقهُ
أنّهُ محروم
من وضعِ قبضتهِ العالية
في يدِ طفل !
(39)
هُم عيّنوهُ حارِساً.
لماذا، إذن،
يمنعونَهُ من تأديةِ واجِبه ؟
ينظرُ بِحقد إلى لافتة المحَل:
(نفتَحُ ليلاً ونهاراً) !
(40)
– أمّا أنا.. فلا أسمحُ لأحدٍ باغتصابي.
هكذا يُجمِّلُ غَيْرتَه
الحائطُ الواقف بينَ الباب والنافذة.
لكنَّ الجُرذان تضحك !
(41)
فَمُهُ الكسلان
ينفتحُ
وينغَلِق.
يعبُّ الهواء وينفُثهُ.
لا شُغلَ جديّاً لديه..
ماذا يملِكُ غيرَ التثاؤب ؟!
(42)
مُعاقٌ
يتحرّكُ بكرسيٍّ كهربائي..
بابُ المصعد !
(43)
هذا الرجُلُ لا يأتي، قَطُّ،
عندما يكونُ صاحِبُ البيتِ موجوداً !
هذهِ المرأةُ لا تأتي، أبداً ،
عندما تكونُ رَبَّةُ البيتِ موجودة !
يتعجّبُ بابُ الشّارع.
بابُ غرفةِ النّوم وَحدَهُ
يعرِفُ السّبب !
(44)
( مُنتهى الإذلال.
لم يبقَ إلاّ أن تركبَ النّوافِذُ
فوقَ رؤوسنا.)
تتذمّرُ
أبوابُ السّيارات !
(45)
– أنتَ رأيتَ اللصوصَ، أيُّها الباب،
لماذا لم تُعطِ أوصافَـهُم ؟
– لم يسألني أحد !
(46)
تجهلُ تماماً
لذّةَ طعمِ الطّباشير
الذي في أيدي الأطفال،
تلكَ الأبوابُ المهووسةُ بالنّظافة !
(47)
– أأنتَ متأكدٌ أنهُ هوَ البيت ؟
– أظُن ..
يتحسّرُ الباب :
تظُنّ يا ناكِرَ الودّ ؟
أحقّاً لم تتعرّف على وجهي ؟!
(48)
وضعوا سعفتينِ على كتفيه.
– لم أقُم بأي عملٍ بطولي.
كُلُّ ما في الأمر
أنَّ صاحبَ البيتِ عادَ من الحجّ.
هل أستحِقُّ لهذا
أن يمنحَني هؤلاءِ الحمقى
رُتبةَ ( لواء ) ؟!
(49)
ليتسلّلْ الرّضيع ..
لتتوغّلْ العاصفة ..
لا مانعَ لديهِ إطلاقاً.
مُنفتِح !
(50)
الجَرسُ الذي ذادَ عنهُ اللّطمات ..
غزاهُ بالأرق.
لا شيءَ بلا ثمن !
(51)
يقفُ في استقبالِهم.
يضعُ يدَهُ في أيديهم.
يفتحُ صدرَهُ لهم.
يتنحّى جانباً ليدخلوا.
ومعَ ذلك،
فإنَّ أحداً منهُم
لم يقُلْ لهُ مرّةً :
تعالَ اجلسْ معنا!
(52)
في انتظار النُزلاء الجُدد..
يقفُ مُرتعِداً.
علّمتهُ التّجرُبة
أنهم لن يدخلوا
قبل أن يغسِلوا قدميهِ
بدماءِ ضحيّة !
(53)
( هذا بيتُنـا )
في خاصِرتي، في ذراعي،
في بطني، في رِجلي.
دائماً ينخزُني هذا الولدُ
بخطِّهِ الرّكيك.
يظُنّني لا أعرف !
(54)
(الولدُ المؤدَّب
لا يضرِبُ الآخرين.)
هكذا يُعلِّمونهُ دائماً.
أنا لا أفهم
لماذا يَصِفونهُ بقلَّةِ الأدب
إذا هوَ دخلَ عليهم
دون أن يضربَني ؟!
(55)
– عبرَكِ يدخلُ اللّصوص.
أنتِ خائنةٌ أيتها النّافذة.
– لستُ خائنةً، أيها الباب،
بل ضعيفة !
(56)
هذا الّذي مهنتُهُ صَدُّ الرّيح..
بسهولةٍ يجتاحهُ
دبيبُ النّملة !
(57)
( إعبروا فوقَ جُثّتي.
إرزقوني الشّهادة.)
بصمتٍ
تُنادي المُتظاهرين
بواّبةُ القصر !
(58)
في الأفراح أو في المآتم
دائماً يُصابُ بالغَثيان.
ما يبلَعهُ، أوّلَ المساء،
يستفرغُهُ، آخرَ السّهرة !
(59)
اخترقَتهُ الرّصاصة.
ظلَّ واقفاً بكبرياء
لم ينـزف قطرةَ دَمٍ واحدة.
كُلُّ ما في الأمر أنّهُ مالَ قليلاً
لتخرُجَ جنازةُ صاحب البيت !
(60)
قليلٌ من الزّيت بعدَ الشّتاء،
وشيءٌ من الدُّهن بعد الصّيف.
حارسٌ بأرخصِ أجر !
(61)
نحنُ ضِمادات
لهذه الجروح العميقة
في أجساد المنازل !
(62)
لولاه..
لفَقدتْ لذّتَها
مُداهماتُ الشُّرطة !
(63)
هُم يعلمون أنهُ يُعاني من التسوّس،
لكنّ أحداً منهم
لم يُفكّر باصطحابِهِ إلى
طبيب الأسنان !
(64)
– هوَ الذي انهزَم.
حاولَ، جاهِداً، أن يفُضَّني..
لكنّني تمنَّعْتُ.
ليست لطخَةَ عارٍ،
بل وِسامُ شرَف على صدري
بصمَةُ حذائه !
(65)
– إسمع يا عزيزي ..
إلى أن يسكُنَ أحدٌ هذا البيت المهجور
إشغلْ أوقات فراغِكَ
بحراسة بيتي.
هكذا تُواسيهِ العنكبوت !
(66)
ما أن تلتقي بحرارة الأجساد
حتّى تنفتحَ تلقائيّاً.
كم هي خليعةٌ
بوّاباتُ المطارات !
(67)
– أنا فخورٌ أيّتُها النافذة.
صاحبُ الدّار علّقَ اسمَهُ
على صدري.
– يا لكَ من مسكين !
أيُّ فخرٍ للأسير
في أن يحمِل اسمَ آسِرهِ ؟!
(68)
فكّوا قيدَهُ للتّو..
لذلكَ يبدو
مُنشرِحَ الصَّدر !
(69)
تتذمّرُ الأبواب الخشبيّة:
سَواءٌ أعمِلنا في حانةٍ
أم في مسجد،
فإنَّ مصيرَنا جميعاً
إلى النّار !
(70)
في السّلسلةِ مفتاحٌ صغيرٌ يلمع.
مغرورٌ لاختصاصهِ بحُجرةِ الزّينة.
– قليلاً من التواضُعِ يا وَلَد..
لولايَ لما ذُقتَ حتّى طعمَ الرّدهة.
ينهرُهُ مفتاحُ البابِ الكبير!
(71)
يُشبه الضميرَ العالمي.
دائماً يتفرّج، ساكتاً، على ما يجري
بابُ المسلَخ!
(72)
في دُكّان النجّار
تُفكّرُ بمصائرها:
– روضةُ أطفال ؟ ربّما.
– مطبخ ؟ مُمكن.
– مكتبة ؟ حبّذا.
المهمّ أنها لن تذهبَ إلى السّجن.
الخشَبُ أكثرُ رقّة
من أن يقوم بمثلِ هذه المهمّة !
(73)
الأبوابُ تعرِفُ الحكايةَ كُلَّها
من ( طَقْ طَقْ )
إلى ( السَّلامُ عليكم.)
من دواوينه
-
أحاديث الأبواب .
-
شعر الرقباء[1] .
-
ولاة الأرض [2] .
-
ورثة إبليس .
-
أعوام الخصام .
-
الجثة .
-
دمعة على جثمان الحرية .
-
السلطان الرجيم .
-
الثور والحظيرة.
-
هون عليك
-
مقاوم بالثرثرة.
-
كلب الوالي .
-
ما قبل البداية ..
-
ملحوظة .
-
مشاتمة .
-
كابوس .
-
انتفاضة مدفع .
-
لافتات1 – 1984 م.
-
لافتات2 – 1987 م .
-
لافتات3 – 1989 م .
-
لافتات4 – 1993 م .
-
إني مشنوق أعلاه – 1989 م .
-
ديوان الساعة 1989 م .
-
لافتات5 – 1994 م .
-
لافتات6 – 1997 م .
-
لافتات7 – 1999 .
-
لافتات متفرقة لم تنشر…
-
المرجع: موقع ويكابيديا…
-
موسوعات الشعر العربي
-
وموقع شبكة فلسطين للحوار
-
موقع أدب
-
تاريخ زيارة المواقع 2-2-2017 بين الساعة 8 وس9