من حكايات الأخوين غريم
بقلم شئيم درويش
أنهيت قراءة العدد(170) من سلسلة “الكتاب للجميع”، الصادر عن شركة السفير ش.م.ل؛ ويوزع مجانا مع جريدة السفير صبيحة كل يوم سبت.
يحمل هذا العدد عنوان “من حكايات الأخوين غريم”، ترجمة “نبيل الحفار”. يتضمن هذا العدد خمس عشرة حكاية من المجموعة الكاملة لحكايات الأخوين غريم التي صدرت من دار المدى.
هذه المجموعة هي “حكايات الأطفال والبيت”، تتألف من حوالي مئتي حكاية. تعد من أهم مصادر المتعة لدى الصغار والكبار في العالم؛ خصوصاً أن الأخوين غريم أبرز من بحث في إحياء التراث الأدبي الشعبي الألماني.
تحمل حكايات هذا العدد كغيرها من حكايات الشعوب الأخرى مغزى خلقي -تعليمي، تدور في محورها حول الثنائي الضدي “الخير والشر”. وما يميز الاخوين غريم في مجموعتهما “حكايات الاطفال والبيت” ، المنهج المتبع في جمع الحكايات ؛ خصوصا أنهما غيبا أنفسهما في تسجيل أسلوبهما فيها والابتعاد عن ابراز الذات الادبية. فهما جمعا القصص والحكايات عن ألسنة الشعب ودوناها كما هي مبتعدين عن التزيين الأدبي والترتيب الموضوعي اللازم. فقد أرادا إبراز حكايات كانت ما تزال تتداول على شفاه الشعب الألماني، وعدم الرجوع إلى أساطير وخرافات قد اضمحلت؛ في سبيل إنعاش الذاكرة الشعبية الألمانية لتراثهم.
وإذا ما أخذ القارئ نظرة سريعة مقارنة بين الحكايات الشعبية الألمانية والحكايات الشعبية للشعوب الأخرى، يجد أن هناك تشابها كبيرا في القاعدة المؤسسة لها.
خصائص بعض الحكايات تتكرر عند مختلف الشعوب، ففي المجموعة حكايات تتحدث عن حيوان يتحول إلى أمير كان قد مسه سحر ساحرة شريرة؛ فجعلته حيوانا وتزوج من ابنه ملك بعد تحوله (حكاية رقم 1). وثانية، عن أخ وأخت صغيرين عانيا من سلوك زوجة أبيهما التي حبكت لهما الكمائن كي تتخلص منهما ولم تفلح (حكاية رقم 11). وأخرى، تتحدث عن ثلاث نساء ساعدن فتاة في تخلصها من كذبة لتصبحن صديقاتها (حكاية رقم 14).
دائماً هناك صورة زوجة الأب الشريرة، وصورة الإخوة المتشبثين بصلة الإخوة فيما بينهم مهما قست الظروف عليهم، وصورة الرجل المخلص لأميره أو ملكه، وصورة الحيوان المتحول بشريا ليكون أميرا، وصورة شخصيتين وتحديداً امرأتان أو أميرتان أو شقيقتان إحداهن جميلة والثانية قبيحة. هذه الصور كما في الحكايات الشعبية الألمانية عند الاخوين غريم، يجدها القارئ أيضا في الحكايات العربية الشعبية وخصوصا في الحكايات الشعبية اللبنانية (كتاب “حكايات لبنانية” لكرم البستاني عن دار نظير عبود ).
هناك بعض الحكايات المستمدة من قصص خرافية أخرى، ولكن صورتها تبدلت مع بقاء مغزاها. مثلا، في حكاية “الذئب والعنزات السبع الصغيرات” (حكاية رقم 5)، يجد القارئ أنها مشابهة نوعا ما لقصة “ليلى والذئب”.
أما في الجانب الخلقي -التعليمي، فالمسألة واضحة متكررة عند معظم الشعوب، إذ تتعدد الأهداف، منها: الوفاء والاخلاص (حكاية رقم 6 و14)، سوء الأمانة (حكاية رقم 2)، الوفاء بالوعد (حكاية رقم 1)، التحذير من الصداقات القائمة على المصلحة (حكاية رقم 2)، النهاية الوخيمة لكل متربص بالشر (حكاية رقم 5)…إلخ.
يلاحظ في بعض هذه الاهداف المغزى القائم على تلك الضدية الثنائية بين الخير والشر. ففي إحدى الصور الاخلاص للصديق وخيانته. صورة ثانية ، فيها شخص قائم في سلوكه على المحبة والود وآخر يقابله بذات من الحقد والبغض والمكر. وأخرى، تقوم على شخص حسن الظن فيقابله آخر يطعن هذا الظن.
ولا بد من الإشارة الى حكايات شبيهة لقصص واردة في النصوص الدينية. مثلا، حكاية “الاخوة الاثنا عشر” (حكاية رقم 9)، تعيد إلى الذاكرة قصة النبي يوسف واخوته.
إن الحكايات الشعبية (خرافية – اسطورية – حيوانية… إلخ) من الواضح أنها تتناقل بين الشعوب كمشعل يأخذ كل شعب منه لهبا، فيبقى المشعل الاساسي مشتعلا موزعا على الشعوب الاخرى نارا تتفاعل فيها تاريخ الشعوب، ولكن لا يحترق بل العكس يحفظها من البرد والجمود. (شئيم الدرويش )
#مما_قرأت