الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / سحر القصص المصوّرة على اليوتيوب، حامل الرّسالة أنموذجًا.

سحر القصص المصوّرة على اليوتيوب، حامل الرّسالة أنموذجًا.

بقلم المنسقة التربوية الأستاذة جومانا روماني 

سحر القصص المصوّرة على اليوتيوب، حامل الرّسالة أنموذجًا.
لا شكّ في أنّ الكتابة للأطفال تواجه وابلًا كبيرًا من التّحدّيات، ولا شكّ أيضًا في أنّ الطفولة بأكملها تواجه ما لم تواجهه يومًا، فإنّ كانت الأزمنة السّابقة قد تجاوزت هذه المرحلة – نتكلّم على النّاحية الأدبيّة – وأهملتها ربّما لأنّها عدت الطّفل مسؤوليّة مجتمعه الضّيق :أمّ، أب، أخوة، أخوال، أعمام، جدّة، جدّ. وتركت بالتّالي موضوع تنشئته وبنائه حصرًا عليهم. فنشأنا نحن الأجيال من موروثاتنا الشّعبية، وتمايزنا بتمايز أهلنا وطبعنا بطبائعهم.
مع مرور الأيّام نشأت جهات دعت إلى تسليط الضّوء على عمر الفتوّة أو ما يعرف بالمراهقة، فكتبت لهم قصصًا وكتبًا كانت الغاية منها توجيههم، وإرشادهم ومساعدتهم للوصول بأمان إلى مرحلة النّضج والوعي والكامل، وفي حقبة ليست بقصيرة نرى الكتابة لهذه الفئة العمريّة كتابة جدّيّة وجادّة.
حديثًا، نرى هجمة غير مسبوقة على الكتابة للأطفال، وربّما هي مرتبطة بالدّراسات الّتي أكّدت أن الطّفل يتفاعل مع الأصوات والصّور والألوان، لا بل إنّ الجنين في رحم أمّه يتفاعل مع ما يسمع، من هنا كانت الدّعوة إلى القراءة للأطفال حتّى قبل ولادتهم. وربّما لأنّ الموروثات والطّبائع ما عادت هي المشتهى.
والسّؤال الّذي يحتلّ كلّ ساحة تكتب وترسم وتحكي للأطفال كيف نجذبهم؟ وإلامَ نجذبهم؟
ليكون الجواب بحسب كلّ الفئات، نجذبهم بالصّوت والصّورة، نجذبهم بالسّيطرة على حواسّهم. أمّا إلامَ نجذبهم، هنا كان التّفاوت والتّجاذب، فما تريده كلّ فئة هي أن تجذب إلى مبادئها، إلى أهدافها، إلى أجنداتها، إلى قيمها. فتباينت الكتابات واختلفت التّوجّهات، من هنا وجب على الجبهة الّتي تقابل أن تواكب، أن تحارب، أن تصوّب أهدافها، وأن تستخدم كلّ أمكانيّة وذلك لبثّ القيم، والحفاظ عليها، لبناء الأجيال الواعية، المدركة، الثّابتة.
عربيًّا، في البدايات ترجمت القصص الّتي تتوافق مع القيم كالصّدق، والوفاء، والإخلاص والتّضامن والتّعاون، وحبّ الوطن، وقُرأت للأطفال في المدارس وفي اللّقاءات. وكذلك نُقلت أفلام ديزني كما هي إلى العربيّة، لأنّ الرّغبة في الكتابة والابتكار للأطفال ما كانت بعد متواجدة، لكنّها في الآونة الأخيرة انوجدت، وبقوّة، فانبرى جيل كامل من الأدباء ليتصدّى لأدب الطّفل العربيّ، ولعلّه أدرك أنّ موروثاتنا، فقدت، وأنّه هو الأجدر في إعادتها، لعلّه أيقن أنّ الكتابة للطّفل من أولى أولويّات أيّ أمّه في هذا العصر، بخاصّة إن هو لن يكتب ليصوّب وينقذ، ويوجّه ويبني، فإنّ غيره سيكتب وينشر لشتّت، ويؤذي، ويهدم.
فكان، بعد كلّ ما سبق، لنا أدباء في أدب الأطفال ينشرون القصص الّتي تحمل القيم، الّتي تصوّب، وتوجّه وتبني، وتحمي، الّتي ترشد إلى الحقّ والخير، إلى المواجهة، إلى التّحدّي، إلى الثّبات، إلى التّمايز إلى المثل العليا الّتي لا استقامة لنا إلّا بها.
وما”فيلم حامل الرّسالة” للأديبة “خديجة حيدورة” إلّا أنموذجًا واضحًا جليًّا من النّماذج الّتي أنتجها هذا الجيل الحريص على أطفالنا، وعلى قيمهم ومبادئهم، الحريص على مستقبلهم وأرضهم وكرامتهم. الفيلم، قصّة، مصوّرة، كان يمكن لها أن تكون كتابًا، نقرأه لطفلنا، لكنّ الأديبة، وإيمانًا منها بأن المواجهة تتطلّب أسلحة جديدة، صارت القصّة فيلمًا كرتونيًّا ونشر على اليوتيوب، هذا الفيلم استخدم شخصيّة غير بشريّة، تعاطفت مع البشر الّذين هم على حقّ، رفضت الظّلم، وأبت أن تكون شاهدة على القتل والإجرام وعلى ذبح الطفولة. فالغاية الكبرى من الفيلم لم تكن للفت النّظر إلى استشهاد طفل وظلم عدوٍّ بل كانت أعمق من ذلك بكثير، كانت صارخة بأنّ كلّ طير وكلّ حجر وكلّ شبر من الأرض كلّ مكوّن من مكوّنات الحياة رافض للمغتصب ومحاربٌ له ولوجوده.
لمَ الأفلام الكرتونيّة والشّخصيّات غير البشريّة؟
قد يثير استخدام الشّخصيّات غير البشريّة في القصص المصوّرة على YouTube اهتمام الأطفال ويجعلهم يتفاعلون بشكل أكبر مع القصّة. تقدّم هذه الشخصيّات بيئة جديدة ومثيرة للاستكشاف والتّعلّم، مما يزيد من سرعة فهم القصّة ويحفّز رغبتهم في الاستماع إليها مرارًا وتكرارًا.
باستخدام حيوانات أو شخصيّات من عوالم غير عالم الأطفال، تتيح القصص المصوّرة فرصة للأطفال للتّعرف على ثقافات جديدة واكتشاف عوالم مختلفة بطريقة ممتعة ومسليّة. يمكن لهذه الشّخصيّات غير تقليدية أن تلهم الأطفال وتشجّعهم على التّفكير خارج الصّندوق وتوسيع آفاقهم.
وممّا لا شكّ فيه أنّ الطّيور تشكّل شخصيّات قصصيّة لها وقعٌ جد مؤثر لدى الأطفال. فالطّيور، بطبيعتها، تحمل مزيجًا من الجمال والغموض والحريّة، مما يجعلها محبّبة لدى الأطفال ومثيرة لفضولهم. يتميّز الأطفال بحبّهم الكبير للطّيور، ربما لأنّهم يرونها كائنات مثيرة ولكن في نفس الوقت غير قابلة للإمساك بها، مما يضيف إلى جاذبيتها كشّخصيّات قصصية.
عندما يتم تضمين الطّيور كشخصيّات في القصص الأطفال، يتمثّل وقعها المؤثّر في قدرتها على إثارة خيال الأطفال وتعزيز قيم مثل الحريّة والمغامرة والصّداقة. تقدّم الطّيور أيضًا دروسًا حول الصّمود والتّحلّي بالشّجاعة، حيث تواجه التّحديات وتتغلّب عليها بطرق مبتكرة وملهمة. وبهذه الطّريقة، تصبح الطّيور كشخصيّات قصصيّة جذابة تساهم في تشكيل خيال وتفكير الأطفال، مما يجعلها تترك أثرًا عميقًا في تطورهم الشّخصيّ والعاطفيّ.
بفضل الأبعاد الإضافيّة الّتي تقدّمها الشّخصيّات غير البشرية، يمكن للأطفال أن يتخيّلوا أنفسهم في أدوار جديدة وينمو من خلال تجارب الشّخصيّات في القصص. هذا التّفاعل العميق يمكن أن يعزّز الفهم والتّعلم للأطفال بطريقة ممتعة ومثيرة. باختصار، تظهر القصص المصوّرة الّتي تستخدم شخصيّات غير بشريّة على YouTube كأداة قويّة لتعزيز تفاعل الأطفال مع القصّة وتحفيزهم على الاستماع والتّعلم.
كما وأنّ قصص الأطفال الّتي تحمل هدفًا واقعيًا وقيميًّا وتكون قريبة من لغة الأطفال هي قصص لا تموت. عندما تُروى للأطفال قصّة تتحدّث إليهم بلغتهم وتتناول مواضيع تهمهم وتعالج تحدّياتهم اليوميّة بطريقة ملهمة ومثيرة، فإنّهم يستمتعون بها ويتعلّمون منها بشكل أكبر. تلك القصص تبقى محفورة في ذاكرتهم وتؤثّر في تشكيل قيمهم وسلوكهم، فتصبح جزءًا لا يتجزّأ من تطوّرهم الشّخصيّ والاجتماعيّ. وبذلك، تبقى هذه القصص حيّة في قلوبهم وعقولهم، مما يجعلها قصصًا لا تموت.
قصص الأطفال الّتي تصاحبها موسيقى تصويريّة شيقة تمتلك قوّة خاصّة في جذب الأطفال وتشغيل حواسّهم بطريقة فريدة. عندما يتمّ دمج القصّة مع الموسيقى ببراعة، تصبح القصّة تجربة متكاملة تعمل على استقطاب انتباه الأطفال وإشراكهم بشكل أكبر. تصبح الأحداث أكثر حيويّة والشّخصيّات أكثر تفاعليّة، مما يجعل الأطفال يعيشون القصّة بكلّ وتيرتها. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الموسيقى في تعزيز الرسائل والمفاهيم التي تحملها القصة، حيث تعمل على نقل الأجواء والمشاعر بشكل أكبر، مما يسهّل على الأطفال استيعاب الرّسائل بسلاسة وبدون عناء. وبهذه الطريقة، تصبح قصص الأطفال التي تصاحبها موسيقى تصويرية شيقة تجربة لا تُنسى تجعل الأطفال يتلقون الرسائل بسهولة وفرح.”
ختامًا، إنّ قصّة المصورة المعنونة بـ”حامل الرّسالة” امتازت بعدة عناصر تجعلها مميّزة ومؤثّرة. إذا تبتكر القصّة شخصيّات مميّزة ومثيرة للاهتمام، وتجسد القصّة مختلف الجوانب الإنسانيّة وتثير تفاعل لمشاهدين الصّغار والكبار. تهدف القصّة إلى نقل رسالة تحمل قيمًا مهمّة مثل الصّداقة والشّجاعة والتّضحية، مما يساهم في تعزيز القيم لدى المتلقّين وتشكيل شخصيّاتهم. تترافق القصّة مع موسيقى تصويريّة ملهمة تعزّز المشاعر وتعمّق الانغماس في أحداث القصّة، مما يجعل تأثيرها أقوى، وأبقى. وبفضل هذه العناصر المتكاملة، نجحت القصّة في تحقيق هدفها الأسمى بإلهام القرّاء وترك أثرٍ إيجابي يستمرّ معهم بعد الانتهاء من مشاهدتها.

*بقلم جوانا حسن روماني

معلمة ومنسقة اللغة العربية في ثانوية السفير