الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / مقالات / فلنستفد من التجربة الأوروبية في التنوع ونبذ الطائفية

فلنستفد من التجربة الأوروبية في التنوع ونبذ الطائفية

كتب الاستاذ رائد حمادة

تخلصت أوروبا من عصور الظلام التي إستمرت ألف عام، كان رأس الحكم فيها للكنيسة(الدين)، التي خلطت الدين بالحياة السياسية، و تسلطت على الحياة و الفكر و إعتبرت البابا هو الحاكم الروحي بإسم الرب و الامبراطور هو الحاكم الزمني المدعوم من الرب و مندوبه الروحي.
و لكن مرور أوروبا بمئات المحن خلال تلك الحقبة جعلها تثور على الكنيسة و البابا و إخراجهم من الحياة السياسية و بلاط الحكم و لعل المجاعة الكبرى التي حدثت بأوروبا بالقرن الرابع عشر، ثم تبعها الوباء الأسود (الطاعون) الذي حصد ما يقارب 35 مليون شخص، كل هذا أسس لأرضية خصية لثورات متتالية ترفض الحكم بإسم الدين الذي أشبع رجالها و النبلاء من حولها و تسبب بجوع الطبقات الفقيرة من العمال و الفلاحين الذين كانوا يمثلون وقود حروب الكنيسة القائمة بإسم الدين و الوعود الروحية بالجنة و رضا الرب.
عاشت الثورات في أوروبا ضد الكنيسة و الإقطاعيين و النبلاء إخفاقات عديدة بسبب الإعدامات الميدانية و الأحكام العرفية بحق كل معارض أو ثائر. و لأن بعد ظلام الليل الدامس لا بد من بزوغ الفجر، إستطاعت أوروبا أن تغير جلدها و تقاضي جلّادها، فحدث تغيرات متراكمة و جذرية في البنية المجتمعية و النفسية للأوروبيين أدت بنهاية المطاف إلى إنهيار النظام بالكامل و التخلص من الطغمة الحاكمة. و كان بداية عصر النهضة الذهبي الذي تجلى بالإنفتاح الثقافي على الغير و العبور بإتجاه الأفكار الفلسفية و الرياضية التي كان روادها من العرب و المسلمين كإبن رشد و إبن سينا، فأخذت الحرية الفكرية مداها الطبيعي فإستبدلت أوروبا التعصب الديني بالإنفتاح على الآخر بغض النظر عن الدين و المعتقد، فإنتعشت الاذهان و توالت الاختراعات و عبر الباحثون المحيطات للبحث عن الحقيقة العلمية و دراسة الثقافات المختلفة.
إنّ البحث و الدراسة و التعمق بهذا الصدد لا بد أن يؤسس لنقل التجربة الغربية إلى منطقتنا التي تحكمها عادات و تقاليد و مرجعيات سياسية تحتمي خلف المنابر و العمائم و البطاركة و الشيوخ و الفتاوى التي أوجدت للفقر و الجهل و الفتور العلمي مكاناً في نفوس الشرقيين، و لعل لبنان أكبر مثال على شد العصب الطائفي الذي خلق إصطفافات جماهيرية خلف زعماء الطوائف و ممثليها و لم يفتح مجال للتنوع و قبول الآخر من أجل حياة إنسانية أفضل، إنّ الجوع لا يميّز بين كاثوليكي هنا أو سني هناك و كذلك العتمة لا تفرّق بين ماروني هنا و شيعي هناك…
إنّ الخروج من عنق زجاجة الطائفية البغيضة و قبول الآخر سيؤسس لحياة مدنية تحترم الإنسان بغض النظر عن دينه و طائفته و كذلك الخروج من صندوق فتاوى رجال الدين سيؤسس لنزاهة سياسية تفرض القانون على الوزير قبل الغفير و على الشيخ قبل الخوري.
الجنة و النار