الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قصة وسرد / فتاة الروضة

فتاة الروضة

بقلم الكاتبة مها هسي 

فتاة الروضة

قصصت شعري منذ مدة، كانت أمي تقصه لي هكذا في صف الروضة الأولى او الثانية… لا أذكر تماما! لا أذكر الموقف تماماً، ولا أذكر وجه أمي حينها، الا ان صورتي بالشعر القصير المسرّح بالكاد معلقة فوق مرآتنا عدة سنوات، وتؤكد جدتي أن أمي كانت تقص شعري. كل يومٍ صباحاً أسرّح شعري وألتقي مع الفتاة التي في صف الروضة الاولى أو الثانية، وهي تربط شعرها إلى الخلف لأنها تكره الشعر المرخي ولا تكترث لأهمية كون القميص الكتان الزهري يغلق تماماً عليها ولا يحتاج قميصاً داخلياً ضيقاً تحته، تخرج من حقيبة يدي أربع صور شخصية بخلفية بيضاء تبقت من معاملات الجامعة… ولا واحدة منها ستجلس فوق المرآة لأن فتاة القميص الزهري لا تحب المشاركة ولا تحب أن يتلصص أحد على أزرار قميصها أو يطالبها بنتف حواجبها والابتسام للمستقبل. هناك في الهاتف صوت خالي يغيظ الفتاة “شو هالشعرات البشعين”، وأمي تؤكد له أنها هي من قصت شعري، وهناك خالي أيضاً على يميني يشرح لي كيف يصعد الدولار تدريجياً ولا يتذكر اي شيء يتعلق بتلك الصورة، ولا يعرف أيضاً أن إحدى الصلوات لفتاة في الصف الروضة الاولى أو اثانية كانت تنص على “أن يتوقف خالو عن إجبارنا على النوم في الساعة الثامنة”… لكنني على جميع الأحوال لا أستطيع اليوم النوم في الثامنة لأنه علي دراسة مادة باحتمال رسوب فيها يتجاوز ال ٩٩ بالمئة. أستيقظ فجأة في باص النقل وأحتاج وقتاً لأتذكر كيف أن شعري غير مسرح وأنني خبأته بقبعة صوفية لأن درجة الحرارة في الخامسة صباحاً كانت اثنان مئوية و “فيلز لايك 0” بحسب الهاتف الذكي الذي لم يكن موجوداً ليشرح لي علاقة الغرة بابن الجيران الذي “عيونو لبرا” ولا أن يعيد العينين المتدليتين خارج الوجه إلى مكانهما في خيال فتاة أنزلوها فجأة عن المرآة ووضعوها في الدرفة السفلية للكمودينة، وهي بصراحة لا تعرف تماماً الفرق بين الجانب المظلم والجانب المشرق للحياة ولكنها تكره أن البسكويتة المفضلة لديها أصبحت ب ١٥٠٠ ليرة و تكره الطعام النباتي والعمل بدوام كامل في اماكن متفرقة. أبحث عن صوتي الداخلي فأسمع صوت صديقي الذي يتحدث كثيراً عن الصوت الداخلي للكاتب وأبحث أعمق عن صوتي الداخلي فأسمع صوت حبيبي السابق يتساءل لماذا كانت الفتاة في الصف الروضة الاولى أو الروضة الثانية تبكي حين تحاول سرد قصة مضحكة حصلت كما تقول المعلمة بيننا وبين امهاتنا، لهذا أغلق صوتي الداخلي الذي يحاول فهم أشياء لا يمكن فهمها عن تسريحة شعر وتلويحة يد صغيرة تنزل من الباص المدرسي تتباطأ حركتها، تتقلص ابتسامتها، تخاف.. تؤلمها معدتها.. تبتسم.. تبحث عنها في شوارع الحي لعلها تلعب الغميضة معها.. تصعد الى البيت ترمي “مطرة الماء” على المرآة التي تحطمت، تتمزق الصورة المعلقة للفتاة ذات الشعر القصير ، لكن دون وجه أمها…