الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قصة وسرد / من اليوميات.. العبث مع كورونا

من اليوميات.. العبث مع كورونا

من اليوميات.. العبث مع كورونا

بقلم: هيثم أبو الغزلان
هي الأمكنة ذاتها التي نتردّد إليها، فنُحييها وتُحيينا. أمكنة صامتة لكنّها تضجّ حين تريد بألف صوت وصوت. فيها تكتب حكاية ملونة أو مكتوبة بالطبشور الأسود على حائط أبيض، أو على باب عتيق يُخربش عليه الزمان فيعيدك إلى ما قبل الزمن، أو إلى حياة كانت هي الحياة؛ بعبقها وروحها وعبثها وجنونها.
هو نفسه الشارع المتعرّج الواسع من مكان، والضيّق من مكان آخر، لكنّك تجد نفسك فيه مضطرًّا أن تسير عابثًا بكل شيء فتغسل تجاعيد وجهك التي بدأت بالظهور فجأة، أو تنكبّ على فرح جاءك دون تذكرة فتلثم يدك الحياة تحت شجرة ظل داكن. فيضج الشارع ليلًا ليكتب من جديد رواية ظلام دامس يعبث خلسة بالليل، أو عند طلوع الفجر.

***

يُقال إذا اجتمع ثلاثة فلسطينيين شكّلوا ثلاث تنظيمات، لكن بعد انتشار الموبايلات بات كل فرد في العائلة يُشكل فردًا مستقلًا بذاته. وإذا كنتَ قبل جائحة كورونا تجد صعوبة في استرداد هاتفك الخلوي من ابنك أو ابنتك، فبعد جائحة كورونا والحجر المنزلي أصبح الأمر من المستحيلات السبعة.
فقد صرت أستعير هاتفي من ابني حين يذهب إلى الصلاة، أو لاستكمال حفظ أجزاء من القرآن الكريم في المبنى الذي نقطنه.

***

في خارج المنزل، لم أجد أن العادات تغيّرت كثيرًا خلال جائحة كورونا لجهة المصافحة، أو العناق، والقبل. لا أحد ينكر أن ذلك قلّ لكنّه لم ينته. فحين تخرج من المنزل لشراء بعض الحاجيات الضرورية، تلتقي ببعض معارفك. والمعروف أن الفلسطيني حين يلتقي بآخر، يصافحه، ويأخذه بالأحضان وهات “يا بوس”!
وفي أحيان عندما تلتقي مع آخر، يتذكّر جائحة كورونا ويُذكّرك بها؛ فيتردّد بالمصافحة، وبطبيعة الحال تتردّد أنت بذلك.. لكن حين الوداع، يهجم عليك فيصافحك بعض الأحيان بتردّد وخجل، وفي أخرى بحرارة.. ولا يسلم الأمر من العناق!

***

وفي محل البقالة تلاحظ أن بعض الزبائن يصافح آخرين، أما بعضهم الآخر فيبتعد عن الجميع كأن كورونا أصابتهم فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم!
وعندها لا تعرف هل هذه الإستعاذة هي من كورونا أم من الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني؟!
وحين تنظر إلى لائحة الأسعار وارتفاع الأسعار الجنوني تدرك أن المواطن بات يعيش أزمة معقدة ومركّبة: صحية، واجتماعية، واقتصادية، وتعليمية.. ضاعف من خطورتها قلّة الأشغال، وانتشار البطالة بشكل مخيف.. ولا أعلم لِمَ تذكّرت قول بيرم التونسي:
يا بلدنا يا حبيبة.. فيكِ حاجة محيّراني.. نزرع القمح في سنين يطلع «القرع» في ثواني.

***
حين تتجمّع العائلة التي كان جمعها لاختلاف التوقيت والأعمال والدراسة وغير ذلك قبل جائحة كورونا، كان من شبه المستحيل، إلا في المناسبات المختلفة. أما خلال كورونا والحجر المنزلي فقد أصبح جمع العائلة أمرًا عاديًا، ما فرض على العديد، إن لم نقل أغلبية الآباء أن يعملوا قضاة للأولاد في المنزل. ورغم أن قاضي الأولاد شنق نفسه، كما يقول المثل الشائع، إلا أن بعض الآباء اتّبعوا سياسة سدّد وقارب لاحتواء مشاكل أبنائهم.
ومن الأمور المفرحة، أن ابنتي الصغير (7 سنوات)، قد صامت نحو نصف شهر رمضان. وصارت تصلي بدون وضوء، وبأي اتجاه! وصارت تعدّ لنا الفول المدمس للسحور، ولا ترضى إلا أن تنافسني وترغمني على الاعتراف أن الفول الذي تعدّه هو الأطيب.
لا أخفي عليكم أنني اعترفت لها عن طيب خاطر مني بذلك، لأن “بعض الشر أهون من بعض”، و”بلاء أخفّ من بلاء”.