الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قصة وسرد / ابتسم يا صديق…أنتَ أقوى من الموت!

ابتسم يا صديق…أنتَ أقوى من الموت!

بقلم الكاتبة مهى هسي 

ابتسم يا صديق…أنتَ أقوى من الموت!

يلمع فلاش الكاميرا في مقلتيك المشرّعتين على الذهول. فَقْدٌ إثر آخر، ثم ستكتسب مهارة مواجهة الموت بوجعٍ أقل وبأكبر قدرٍ ممكن من اللامبالاة. لم تعد الصدمة تشكّل فارقًا كبيرًا لحظة سماع خبرٍ مؤسفٍ يستحق تفجّعكَ!
فقدٌ إثر آخر، تصبح أقوى وأقسى. تدرّبت بكلّ انهياراتك السابقة على مواجهة ما سيأتي، فتكتب في كلّ حينٍ سيناريو محتمل لفجيعةٍ قادمة. توقّع الموت يخفف من أثره على نفسك، فتتفنن في اختيار ردّة فعل مناسبة، وتصرّ على أن تختار الأبعد عن التفجّع، كأن تبتسم على الشرفة في وجه الليل ثم تدخل لتنام ببرود.
تعلّمت أن تقرأ أسماء الشهداء، أقصد أولئك الذين استشهدوا في مقاومة “الجوع” و”المرض” ومقاومة “غدر الزمن”و “الحياة”… تعود للقراءة بحثًا عن قريبٍ كمن يقرأ إعلانًا في جريدة صفراء، تعوّدت على تجاهل “النعوات” وصور الموتى على المواقع الالكترونية، تؤجّل واجب العزاء لوقتٍ لاحقٍ. تصدّق نفسك عندما تقول: “الموتُ ينتظر. لاشيء يدعو إلى العجلة. ستبكي لاحقًا. ليكن ألمك رصيدًا مضافًا لفاجعةٍ أكبر!”
الموت ينتظر، والحياة اقتناص مريرٌ للتجاهل، فلا تستسلم للموت تقع فريسة التفجّع الفائض عن الحدث! أنت قويٌّ باللامبالاة، بالاعتياد… صرت تسخر من صديقك الذي يبكي بحرقةٍ هجر حبيبته، وآخر يجترّ موت جده فينحاز إلى الفجيعة؛ يرضع من ثديها. صرت تشمت بردود الفعل الطبيعية، وتكاد تصرخ في وجوه المتفجعين هنا قائلاً: “أحزانكم مخجلة، فجائعكم تصيبني بالغثيان، خساراتكم تثير الشفقة!” تنسى عدد الذين رحلوا في السنوات الأخيرة، صديقك الذي مات في حادث سيارة، ابن عمك الذي أخطأته رصاصة وطعنته سكين القريب، جارك الذي قتل ببرميل الوطن الغادر… قبل أيّام مات قريبك. قرأت خبر وفاته على الفيسبوك. تجاهلت الخبر. اكتفيت بابتسامةٍ في وجه زوجتك وكلمة “عادي”… استدركت: “مات ميتة طبيعية”! أضفت: “كان طيّبا ويحبني”، تجاهلت دمعة مكابرة وخرجت من البيت. أنتَ بعيدٌ ومنسيٌّ في شوارع وحدتك، أقوى من الموت، أقوى بكثير من الأخبار العاجلة والقاتلة، أقوى من الجوع… لكنّكَ أضعفُ من الحياة التي تتسرّب خلال شقوق الذاكرة، من وجوه الذين مازالوا هناك أحياء على هامش المقبرة، عندما تصفعك الحياة بفكرة أنّك على قيد سجلاتها، لم تتجاوز رغبتك في أن تبكي لأسبابٍ تافهة، وتدخل في العزلة أمام موتٍ يجيء عاديًا ومتوقّعًا. أنت الآن أقوى وأكثر قدرة على امتصاص ارتدادات الفجيعة. سدودك المنيعة أقوى من سيل الذاكرة. لامبالاتك أكثر تحصينا من أن يتلفها غبار كوروني.
كاذب أنت إن قلت أنك لم تفكر بالانتحار! معتبراً أن قتل النفس محرم… ولكنك تعي جيداً أنك تُقتل كل يوم حتى وصلت صرختك إلى السماوات العلى وسألت الله أن يدلي مشنقة الخلاص ولكنه لم يستجب لك. قلها بصوت عالٍ لا تخجل يا رفيق، إن فكرة الانتحار هي الوصول لأعلى درجات الجهاد، أبيت أن تقتل من حولك فاخترت نفسك، إن الأعمار لم يكتبها الله، نحن من نحدد أعمارنا، أنت من تُدخل نفسك في دوامة الموت، أنت من تجلد نفسك…لأنك أضعف من الحياة، الحياة التي تهزمك بلامبالاتها، الحياة التي تستثنيك من العادي والمهمّش؛ لتضعك أمام الكاميرا وهي تقول:
“ابتسم…أنت الآن أقوى من الموت!”