الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قصة وسرد / شهيدة قلبي

شهيدة قلبي

بقلم زينب مكي

شهيدة قلبي

“قولوا لها إنّني أحبها جدا”!
“هذه كانت كلماتها الأخيرة، قبل دخولها إلى غرفة العمليات وهي تلوّح بيديها… هي قدّمت ما لم أستطع أن أقدّمه كَوْني أما…
كنتِ صغيرة، قد أتممتِ العامين من عمرك، فازرقّ جلدك و بهُت لونه، وأصبحتِ تتنفّسين بشكل سريع،فتوجّهنا بك عند الطبيب، ثم حوّلك إلى المستشفى وأجرى لك العديد من الفحوصات، حتى تبيّن أنك تعانين من فشل في القلب بسبب اعتلال عضلة القلب.
وقتها شحب وجهي، وجهزت نفسي لفقدانك، لأنني وعائلتي فقدنا الأمل، لأن وجود متبرع أمر مستحيل، فمن هو الذي سينهي حياته من أجل إنقاذ طفلة صغيرة؟
“بيبي”، أعلم أنك لن تذكرين هذا الاسم، هكذا كنت تندهين لخالتك التي كانت ترى النور من عينيك الجميلتين… لم يكتب الله لها الأمومة لكنّها مارستها عليك، فكانت دائما تحمد الله على وجودك وكأنّك ابنتها…
عندما فقدنا الأمل، كانت هي كعادتها منقذة الموقف، إذ أنها اتصلت بنا و بأخوالك، فأتت هي و زوجها، و طلبت منّا الجلوس و الاستماع لها حتى نهاية الحديث، لم نكن نتوقّع أنّها ستقول لنا ما يلي:” أوّلاً هذا القرار قد اتخذته بكامل إرادتي، فإنه غير قابل للنقاش، كلّنا نعلم حالة ابنة اختي، لن تعيش اذا لم نجد متبرّع،و من الصعب بل إنه من المستحيل وجود متبرّع، لذا و بعد تفكير طويل و عميق، قرّرت أن أكون أنا هي” المتبرعة”، لا ينطق أحدكم بكلمة، دعوني أنهي كلامي، حتى لو عثرنا على من يعطينا قلبه، نسبة النجاح ضئيلة فربّما هذا القلب لا يستجيب، بينما أنا خالتها، هي من لحمي و دمي، فحصّة النجاة ستكون عالية. ربما هذا القرار غير صائب بالنسبة لكم، أما بالنسبة لي فإني لأول مرة في حياتي أتّخذ قراراً صحيحا.. ”
هنا جنّ جنوننا، جدّك و جدتك وقعا أرضاً جاهشين بالبكاء، و أخوالك صاحوا و اختلطت أصواتهم في الجدال، أما زوجها، أخذ يكسّر و يحطم كل ما هو حوليه، فركع أمامها ماسكاً يديها و هو يردّد” لا تفعلِ، لاتفعلِ، لا تفعلِ، لا تفعلِ، لا تفعلِ…”
لكنها قد اتخذت قرارها و كانت قد قامت بتوقيع المستندات المطلوبة لإجراء هذه العملية قبل أن تبوح لنا بم يدور في بالها.
مضت الأيام و نحن نحاول اقناعها بالرجوع، لكن لا جدوى من ذلك، إلى حين مجيء يوم الفراق…
لا زلت أذكر ذلك المشهد بكل تفاصيله، قبل دخولها إلى غرفة العمليات، تسلّلت إلى غرفتك، جلست بقربك واضعة يديها على رأسك تلاعب شعرك الحريري، و من ثم سمعناها تقول لك حرفيا:”يا حبيبة قلبي، رح تكبري و تعرفي شو عملت كرمالك، و رح تفهمي انو كل شي عملتو لأني بحبك، إنت كتير بتشبهيني، و بدي اعطيكي قلبي كرمال ابقى حيّة حتى لو كنت تحت التراب، جايي أيام تسمعي كتير انك بتشبهي خالتك بكل شي، بالعيون، بالخدود، بالقوة و حتى بالحنية”.
و بعدها خرجت و هي تمسح دموع شوقها،  فقبّلتنا و أوصتنا بأنفسنا، فأتى الطاقم الطبي و جهزها، مشينا خلفها حتى وصولها الى باب غرفة العمليات، اذ لوّحت لنا بيديها الجميلتين مرددة” وداعا”، فانحنى لها الأطباء احتراما، و حيّوها على تضحيتها.. إنها المناضلة خالتك التي عاشت بطلة و توفيت بطلة..
بالطبع لا أستطيع وصف ما مرّينا به عند رحيلها، و خاصة الأيام التي مضت على زوجها بدونها، فبعد ثلاثة أشهر رحل هو الآخر إثر حادث سير إلى حبيبته التي سبقته الى الجنة. ”
هذه حكايتي مع الحياة، و هذا ما أخبرتني به أمي، و اليوم أنا أنجح إعلامية كما كانت تتمنى أن تراني خالتي، فإني من على هذه المنصة، أهدي فوزي و انتصاري إلى شهيدة قلبي، إلى من ضحّت بقلبها و أحبابها  من أجلي، إلى روح خالتي…
وأيضا أتوجه بإعتذار و أسف إلى روح زوجها الذي فقد محبوبته بسببي..

💜زينب حسان مكي💜