الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / .شاعر الطبيعة والمرأة الدكتور حسن جعفر نور الدين لمنبر حواس: الشعر تراجع

.شاعر الطبيعة والمرأة الدكتور حسن جعفر نور الدين لمنبر حواس: الشعر تراجع

حاوره الأستاذ محمد علي عمرو

شاعر الطبيعة والمرأة الدكتور حسن جعفر نور الدين لمنبر حواس :
الشعر تراجع ويعبر عن ثقافة العصر وطبيعته …
هناك قصائد ليس لها طعم ولا تمت للشعر بصلة …

الشاعر والأديب الدكتور حسن جعفر نور الدين ، يعتبر في طليعة الشعراء المحليين الرائدين لا سيما في نظر كل من وقف واطلع على شعره من الشعراء والأدباء الذين يعرفون ويدركون ويعون ماهية وقيمة الشعر الحقيقي ..
له دوره الكبير والهام في جميع المحافل والمناسبات ، لا يحب الشهرة والمظاهر البراقة ، ركز معظم وقته للدراسة والتدريس …
كتب في جميع المواضيع والقضايا وأبدع فيها أيما أبداع ، وخاصة في شعر الطبيعة ، ووصفها بإسهاب وتمرس ، فشعره في وصف الطبيعة نابض بالحياة والمشاهد والصور الحسية الجمالية البراقة …يعرف ماذا يقول .. وذو خبرة طويلة يقرأ كل شاردة وواردة …
يقول هناك كثرة في عدد الشعراء وقلة في الشعراء المجيدين ، فالشعر تراجع عما كان عليه في السابق وهو يعبر عن ثقافة العصر وطبيعته …
يضيف ليس المهم كثرة الأمسيات الشعرية بل المهم الجودة والزبد والوهج والأثر …
يصف نفسه بشاعر المرأة والطبيعة ، ويلفت الى أن هناك قصائد تقتحم الصحف والمجلات ، ليس لها أي لون أو طعم ولا تمت للشعر بصلة … ويشددعلى قوله : قبل أن يكون الأنسان شاعرا عليه أن يتثقف شعريا ، فاsلشاعر الجديد اليوم يستعجل القراءة ويستعجل الكتابة أيضا” ، دون أن يمنح نفسه الفرصة الواسعة ليتثقف في الشعر …
منبر حواس التقى الشاعر والأديب الدكتور حسن جعفر نور الدين وكان لنا معه جولة تناولت مختلف القضايا الثقافية لا سيما منها الشعرية …

س : الشاعر والأديب الدكتور حسن جعفر نور الدين. كيف يحدثنا عن تجربته الشعرية ؟
ج : بدأت تجربتي الشعرية بشكل فاعل في المرحلة الثانوية وفي مرحلة دار المعلمين والمعلمات ، حيث نهلنا من العلم والأدب الكثير ، واستمعنا إلى قصائد الكثير من الشعراء وحفظنا لهم ، هذه المرحلة كونت لدينا تراثا” أدبيا” استندنا عليه فيما بعد في الحياة الأدبية فهذه المرحلة كانت أساسية في حياتنا. استطعت من خلال هذه المرحلة أن أطل على الأدب العربي وأن أتلمس أشكال القصائد وأنواعها مما وفر لي ثقافة معينة في هذا الميدان ، وربما هذه الإرهاصات الأولى كان لها الأثر الكبير لتكوين مناخي الشعري الذي تأكد من خلال بعض الدواوين التي أصدرتها فيما بعد.

س : ما معنى أن تكون شاعرا” اليوم ؟ هل ما زال للقصيدة موقعها في ظل ما نعانيه اليوم ؟؟
ج : القصيدة اليوم تراجعت عما كانت عليه في السابق ، في السابق كان للقصيدة وهجها وحضورها شعبيا” ورسميا”. نستطيع القول أن هناك نوع من النكوص في الحالة الشعرية ، هناك كثرة في عدد الشعراء ، وقلة في الشعراء المجيدين ، هذا إشكال ، نحن نقرأ في الصحف والمجلات لكثير من الشعراء الجدد ، ولكن هذا الشعر تراجع عما كان عليه في السابق مبنى ومعنى وهو يعبر عن ثقافة العصر وطبيعته ، هو يلامس القضايا من الخارج دون أن يكون لهذه القصائد دورها الفاعل في الحياة الأدبية ، مع الإشارة إلى أن هناك مجموعة من الشعراء الكبار ، لا ننكر ذلك ، رغم الهجوم على الشعر ، من بين هؤلاء وقبلهم هناك مجموعة من الشعراء الذين ما زال لهم حضورهم على الساحة الشعرية والأدبية.

س : كيف تقرأ المشهد اليوم ؟ بعد ديوانك الأخير ” في فلسطين لا تنام السماء ” .. كيف توصف المشهد ؟ وكيف تتفاعل مع ما يجري في الأمة اليوم ؟
ج : كان ديواني ” في فلسطين لا تنام السماء ” يعبر عن الحالة الفلسطينية والعربية بشكل عام ، أنا كشاعر تؤثر في نفسي كثيرا” القضايا العربية ، أتأثر بها ، سلبا” أو إيجابا” ومن هنا تولد الحالة الشعرية عند الشاعر التي هي متصلة بصلة روحية – عضوية بالوضع العربي المحيط.
ولا نستطيع أن ننكر أن المشاكل خلقت نوعا من التبرم ، نتيجة لما يحصل من أحداث ، يعبر الشاعر عن هذه الأحداث بشكل نقدي مأساوي تصويري ، فأنا بعد ديواني الأخير حدثت أحداث عربية كثيرة ما زلت أتفاعل معها ، فأنصرف بكل ما لدي من عناصر الكتابة والنشر لكي أتضامن وأتعاطف بشكل لا إرادي لأنني جزء من هذا النسيج.

س : تشهد الساحة العربية اليوم عددا” من الأمسيات الشعرية ، هل تتوقع ولادة شعراء جدد ؟
ج : أنا مع الأمسيات الشعرية ، أنا كشاعر لا أستطيع أن أتصل بالآخرين إلا من خلال القصيدة ، من خلال تقديمها للجمهور وإلقائها أمامه ، أو نشرها في صحيفة ما أو جريدة ما ، لكي لا تبقى القصيدة قابعة في الوجدان ، حبيسة الجدران.
نعم الأمسيات الشعرية أراها كثيرة ومتعددة ، والجو الشعري غني ولكن ليس من المهم الكثرة في الندوات ، المهم الجودة والزبدة والوهج والأثر. يجب أن نسأل هل ينعكس دور الندوات على الوضع الإجتماعي والإنساني ؟ هل هناك حالة تواصلية بين القصيدة والمجتمع ؟ نقول بأن القصيدة يجب أن تكون مقرونة بقضية ، وكل المنى أن تكون الفائدة على مستوى الكثرة.

س : كيف تصف علاقتك بالشعراء ؟
ج : كان لي علاقات متعددة ، بدأت منذ مرحلة الشباب الأولى ، مثلا ميخائيل نعيمة حيث كنت أتردد عليه في منزله ،ونزار قباني أيضا” في مكتبه ، وسليمان العيسى ، مظفر النواب ، محمد علي شمس الدين ، عبد الكريم شمس الدين ، هؤلاء الشعراء الأوائل الذين صادقتهم وجاورتهم وتأثرت بهم أيضا” ، وكان من أكثر المقربين مني الشاعر السوداني محمد الفيتوري الذي ربطتني به علاقة قوية ومتينة. بالإضافة إلى شعراء معاصرين كثر منهم محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وعباس بيضون ، ولا أنسى نصيب شعراء شباب كثر على رأسهم مهدي منصور وفاروق شويخ وزاهي وهبي وغيرهم.

س : إذا أردنا أن نسأل لمن تكتب اليوم ؟
ج : أكتب لنفسي أولا” وللآخرين ثانيا”.
أنا أجمع بين الميل النفسي ، الصورة الذاتية للقصيدة وبين أثرها الإجتماعي.
الذي أشعر به أنا ، أعتقد وأرى أن مجتمعي يشعر به ، من هنا تنطلق قصيدتي من الذات إلى الذات الأخرى والعكس. فالقصيدة تحمل في طياتها وأعماقها شذرات مما يحس ويشعر به الآخرون.

س : محمود درويش الشاعر الثوري ، شاعر القضية الفلسطينية ، نزار قباني شاعر المرأة ، أنت أين تصنف نفسك مثلا ؟
ج : بالطبع ، أنا لا أصنف نفسي ، بل المتلقي والناقد هما اللذان يقومان بتصنيفي. وبكل صراحة ووضوح لم أزعم للحظة أنني شاعر من الدرجة الأولى ، وهذه قناعة واضحة.
ولكن إذا شئت أن تصنفني بحسب كتاباتي يمكنك القول أن حسن جعفر نور الدين ” شاعر الطبيعة والمرأة ” .. المرأة بوجوه معينة.

س : نلحظ من خلال دواوينك الحضور الكثيف للطبيعة بكافة مقوماتها ، ماذا تعني لك الطبيعة ؟ وما سر حضورها الصارخ في شعرك ؟
ج : منذ الديوان الأول ” شمس القرى ” ، إذا لاحظت جمعت عناصر الطبيعة في العنوان ، فالشمس لدي هي ذلك الإختصار لكل عناصر الطبيعة والمرجعية الأولى لها. والقرية أيضا تمثل المجتمع الضيعاوي القروي.
وإذا تدرجنا في أسماء الدواوين ، لا أظن أن هناك ديوانا” خرج عن دائرة أو تسمية تتعلق بالأرض أو بالطبيعة ،سببها أنني عشت منذ طفولتي مع الطبيعة ، نسكن في المنازل ، وفي الطبيعة في آن ، سواء في خروجنا إليها ، أو في كتاباتنا المستوحاة منها ومن عناصرها وتجلياتها ، وتعود بي ذاكرتي الآن إلى دار المعلمين والمعلمات في صيدا حين لقبني أحد أساتذتي هناك بلقب ” أمين نخلة ” ، ربما هذه التسمية دفعتني وأعطتني الحماس كي أعتني بنفسي أدبيا” وفكريا” ، ولا أخفي عليك أنني أقضي معظم وقتي في الطبيعة ، في كل يوم ، عدة ساعات ، مع الطبيعة ، أحادثها أهاتفها أنظر إليها تنظر إلي ، أقتبس منها ما أريد ، ولا أشك أن ما أقتبسه منها يشكل المخاض الأول للقصيدة.

س : ما موقفك من قصيدة النثر ؟
ج : أنا أؤمن أن القصيدة هي العمل الأدبي الجميل الذي تقدمه ، سواء كان شعرا” أو نثرا” ، لأن العمل النثري عندما يكون فيه عناصر جمالية ، يقارب الشعر ويشابهه ، وفي الشعر العنصر الجمالي هو الأساس.
أما اليوم هناك قصائد تقتحم الصحف والمجلات وليس لها أي لون أو طعم ولا تمت للشعر بصلة ، وبدورها الصحف تحتضنها ، ومن المؤسف القول أن نشر هكذا كتابات هي إساءة لروح العمل الشعري وإلى مستوى الشعر المستقبلي.

س : كيف تنظر إلى تطور القصيدة العربية بين الماضي والحاضر ؟
ج : قبل الخمسينات كان الشعر العربي مبني على أوزان الخليل ، وأستطيع أن أقول أن جميع الشعراء الذي يهاجمون القصيدة الكلاسيكية ، هم تربوا عليها ونهلوا منها واستندوا عليها ، الشعر العربي الماضي من أجمل الشعر ، طبعا” ليس كله ، مثلا أبو تمام سبق الجميع في الحداثة الشعرية ، إبن الرومي كذلك ، هؤلاء هم الذين خلقوا الحداثة الشعرية ، إذا قرأنا قصائدهم نجد هذه الروحية الحديثة ، ولكن المشكلة أن شعراء الحداثة العربية لم يكتفوا بالإرث العربي فقط بل استندوا إلى الشعر الغربي ، المشكلة اليوم أننا سلمنا أوراقنا إلى الشعر الغربي ، وأنا لست ضد الشعر الغربي ، أطالع الشعر الغربي وأقرؤه ولكن ذلك لا يعني الإنقياد والإنصياع لكل ما جاء به الغرب.
ولا يمكننا بطبيعة الحال ، أن ننكر أن الشعر الحالي لا يتساوى مع ما سبقه ، بأي شكل من الأشكال.
الشاعر الجديد اليوم يستعجل القراءة ويستعجل الكتابة أيضا” ، دون أن يمنح نفسه الفرصة الواسعة ليتثقف في الشعر ، فقبل أن يكون الإنسان شاعرا” عليه أن يتثقف شعريا” ، وليس هناك ضرورة للإستعجال ، إذا لم تكن هناك بنية أدبية في ذات وداخل الإنسان – الشاعر يستند عليها في كتابة الشعر ، يكون عرضة لكل تيار فكري إيديولوجي يتجاذبه ويواجهه.

س : باختصار ،حسن جعفر نور الدين هل عاش حرية الشعراء في كل ما يريد قوله ؟
ج : أنا أعتبر أنني أعبر في قصائدي عن كل ما أريد بدون أي حواجز ولا إيحاءات أو إيماءات من هنا أو هناك ، وأتقبل كل نقد بناء أدبي ليس فيه تملق أو تطفل.

س : البعض اليوم يلجأ إلى القصيدة الإباحية ، لتحقيق الشهرة والجماهيرية. ما رأيك بالقصيدة الإباحية ؟ هل تخدم الشعر والشاعر ؟
ج : أنا شخصيا” ضد القصائد الإباحية ، وفي نفس الوقت مع الغزل ، برأيي يجب أن يكون لهذه القصيدة حدود ، وتكون خالية من الإسفاف والإباحة المخزية المتدنية والبذيئة ، خاصة أن المؤلفات والأشعار بمتناول الجميع ، هذه الأجيال التي تقرأ هذه الألوان من الشعر يكفيها ما فيها من وسائل التواصل الإجتماعي في مجتمعنا اليوم ، فكيف إذا كانت القصيدة كذلك. أنا مع القصيدة الغزلية ، مع التغزل بالجماليات بأشكال معينة ، من دون أي إسفاف مخجل وقبيح لا يمت للأخلاق بصلة ولا يخدم القارئ ولا حتى الشاعر.

س : هناك تجربة مميزة لديك ، تجربة ديوانك ” مروحة الزمرد ” الذي نلت عليه جائزة إتحاد الكتاب وجائزة سعيد فياض للإبداع الشعري عام 2009 . أولا” حدثنا كيف تؤثر فيك الجوائز ؟ وعن تجربتك مع هذا الديوان بالذات ؟
ج : هذا الديوان حتى الآن فيه دفق من الجمال ، ملامح القصائد فيه جديدة ذات نفحة مميزة ، وبالنسبة للجوائز فإنها تبث الحماس والتنافس بين المتبارين ، وأنا شخصيا معها وأؤيد هذه الفكرة شرط ألا تدخلها الوساطات والعلاقات الشخصية والعامة والصداقات وما إلى ذلك.

س : ما هي كلمتك الأخيرة ؟
ج : أشكر منبر حواس على هذه الإستضافة الطيبة وأتمنى لكم دوام التوفيق. وأهدي لمنبركم قصيدتي ” حواس الورد ” من ديواني ” مروحة الزمرد ” ..

” حواس الورد “

هي توقظني كل صباح
توقظ كل حواسي
وحواس الورد وما
قد علمه العصفور لها
ما لقنها من فيه النهر من الهمس ..
ما خضبها بالعطر الطل
وتدل على الجبلين أسيريها
كي أبعد بينهما من أسر الدهشة كي أقرأ في ذاك الهامش
توقيع فمي ..
هي توقظني في كل صباح
تشعل قهوتنا بإناء من قبلات
وتوزعها بفناجين الصحوة
من ثم تريني يومي
قارئة النشوة
ما حاك دمي من عشق
ما فضفض من سر
ما يحلم فيه الوقت على الصفحة هي توقظني
وتبعثر عني شرشف قافيتي
لترى أولى قمصاني الشعرية
وبساتين الأوزان على سفح الرغبة كي تمسك هجرتي الأولى
من طيف الظلمات
إلى وعي اللحظات …