الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / مقالات / أدب السجون في زنازين الاحتلال الإسرائيلي!

أدب السجون في زنازين الاحتلال الإسرائيلي!

بقلم الأستاذ د أنور الموسى

أدب السجون في زنازين الاحتلال الإسرائيلي!

ما إن يكتشف السجان الإسرائيلي طرائق تهريبنا الأدب الذي نبدعه في السجون حتى نبتكر أخرى”!
عبارات رددها أحد الأدباء المعتقلين في زنازين الاحتلال الإسرائيلي.. وأضاف متحسرا: قصص جمة وخواطر وأشعار وروايات ومذكرات كثيرة جدا صادرها الاحتلال أو اتلفها كان يمكن أن تكون مادة مهمة للدراسة والنقد… ومع ذلك حرر الأسرى الكثير منها سرا… ما يطرح الأسئلة الآتية: هل يوجد حقا أدب سجون…؟ ما مضامينه؟ وما أهميته..؟ وهل يأخذ طريقه إلى النور؟ ولم تضيق سلطات الاحتلال على حرية الكتابة؟
غني عن البيان أن أدب السجون يشكل مادة دسمة تؤرخ للحركة الأسيرة ومحطاتها ونضال المعتقلين وسير حياتهم وعلاقتهم بذويهم.. لكن قلما تخرج هذه المواد الى النور بسبب التضييق المقصود على الكتاب والأدباء.. وعدم توفير البيئة الملائمة للكتابة..
فصحيح أن قسما كبيرا من المعتقلين لم يكن يكتب أو يؤلف قبل الاعتقال.. لكن الأخير يشكل له متنفسا مهما للتفريج عن هموم الأسر ولا سيما البعد من الأهل والاحباب..
وهناك مفارقة لافتة تسجل لادب السجون الإسرائيلية تتمثل في أن مضامين الأشعار أو القصص لا تعكس غالبيتها القسوة أو ردة عنيفة ضد الأسر بمقدار انها تعكس رقة المعتقل ورهافة حسه والتعبير عن اشواقه ووجده وهيامه وشغفه وحنينه إلى الأم أو الأب أو الحي أو الأصدقاء والأقارب.. والمكان والذكريات..
فضلا عن الحنين، تتنوع المضامين لتشمل نبذ الظلم والتوق إلى الحرية ومحطات الأسر والعلاقة بالسجان والاتراب والتعذيب والاقتحامات..
ولعل تلك المضامين هي الباعث الرئيس الذي يدفع السجان إلى اقتحام السجن ومصادرة الكتابات والأشعار والقصص..
ولمقاومة المصادرة أو التلف يلجأ الأسير إلى خطط من نوع الإبقاء على المواد معه وربما بلعها.. والكتابة على ورق شفاف وتصغير حجم الوسيط والكتابة.. مع المحاولات المتكررة لتحريرها من السجن عبر الأقارب أو الأمهات أو الزوجات..
وحتى تلك الخطط تصطدم برقابة السجان الذي بات يعاقب الأقارب الذين يحاولون تهريب ما يكتبه المعتقل.. قد تصل العقوبة إلى ستة أشهر سجن!
حتى خطة تهريب رسائل صغيرة الحجم بكتابات صغيرة جدا تصطدم بحاجز التفتيش الدقيق.. والتمرير على أجهزة حديثة جدا..ما دفع بعض المعتقلين إلى عدم اللحوء إلى هذه الطريقة!
ومع ذلك، يبتكر المعتقلون طرقا دقيقة لتهريب الأدب.. وكأني بالكتابة عندهم باتت العلاج الكبير من هموم الأسر..ووسيلة مقاومة من نوع جديد يتسم بالذكاء والإصرار والتحدي!
وهناك من ينصح الاسري بفك قيود الواقع من خلال اللجوء إلى الخيال للتحرر من الضغوط والعذاب. إذ من خلال ذلك تحلق الروح ويطير الخيال في رحاب الكون.. ولذا تأتي الكتابة بمنزلة التصوير لتلك الحالات والشطحات الأدبية المعبرة جدا..
وبالفعل، لقد نجحت محاولات جمة في الخروج إلى الحرية والفت كتب ونشرت نصوص جمة للمعتقلين.. وبعضها لا يزال ينتظر النشر أو حفظ في أماكن آمنة بانتظار فك الأسر…

ويرتبط بهذا الموضوع ما ينشره المعتقل أو يكتبه بعد الأسر والإفراج عنه.. سواء أجاء بعد الحرية مباشرة أم بعد سنين… وهو مادة مهمة أيضا في أدب السجون..
مجمل القول إن أدب السجون يشكل مادة معبرة توثق تاريخ القضية والنضال والأحرار.. ومنها ما يشكل مادة قانونية تدين الاحتلال ولا سيما تلك التي تسجل صور التعذيب وانتهاك قيم الإنسانية.. وهذا ما يحتم التدخل الدولي لمساعدة الأسرى على التعلم والتعبير والكتابة.. لكن هذا الأمر يبقى حلما.. ولا سيما إن كان السجان عنصريا ينتهك حقوق المعتقلين…
أما في ما يتعلق بمستوى الجودة الفنية والأدبية في تلك الأعمال المحررة.. أو المحفوظة في وجدان الأسرى وزنازينهم، فوحدها الدراسات النقدية هي التي تحكم.. لكن في كل الأحوال منها ما يتسم بالجودة والإبداع الرفيع ومنها يعد محاولات أولى يمكن تطويرها لاحقا.. مع أن الصدق العاطفي والانفعالي هو الطاغي والمهيمن على ما يكتب!
والسؤال هنا: متى تتحرك الهيئات الدولية للضغط على السجان كي يحرر خيال الأسير على الأقل؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.