الخميس , مايو 2 2024
الرئيسية / قراءة في كتاب / قراءة في رواية “المَطْهَر” للكاتب تامر حجازي

قراءة في رواية “المَطْهَر” للكاتب تامر حجازي

بقلم الكاتبة سارة ببطار

 إنها غريزة الإفناء والتدمير التي  خلقت مع البشر، فقتل قابيل أخاه وهرب مفسحاً الطريق أمام أحفاده وأحفادهم لتلك الصراعات التى ظهرت بوادرها في صراعات ما قبل التاريخ… هذا ما يقوله تامر حجازي في روايته “المَطْهَر”..

هي رواية خيالية ذات طابع علمي- تاريخي تقع في مئتين واثنين وخمسون صفحة يتعدد أبطالها من عالمين مختلفين ليرافقوا القارئ في رحلة مشوقة جداً بين الأزمان تصل ما بين الماضي في أقصاه حيث بدء البشريه، فنتعرف على قابيل وهابيل وسائر أبناء آدم، وبين المستقبل في القرن السادس والعشرين حيث أبيدت حضارات ونشأت أخرى حتى شارف كوكب الأرض على حافة الهاوية، واستدعى بقاء الجنس البشري إيجاد كوكب بديل وتجهيزه بواسطة ما توصّل له الإنسان من العلم، والذي يتجلى هنا بمواصفات خيالية مبتكرة تجعلنا نُُذهل بمخيلة خصبة تثير الفضول والتعجب. وأما رسالة الكاتب فهي رسالة جوهرية حول هذا الكائن البشري الذي رغم تطوره إلى أقصى المراحل، لم يستطع تغيير مشاعره التي نراها هنا وبوضوح على سجيتها بين ثقة يقابلها خوف وقلق.. فرح يقابله حزن.. ملل ومتعة، وهذا البحث الدائم عن الشعور بالأمان، والسعي المتواصل لإشباع الرغبات وتواصل اللذة.
” كيف وصلنا إلى مثل هذا التتطور، ولم نتمكن بعد من نزع مشاعر الخوف والحزن والملل والحقد، مع الإبقاء على المشاعر الإيجابية، تتساءل جابريلا مارتينييز أحد أبطال الرواية بينما تنتظر دورها في التحقيق”
لغةٌ مسبوكةٌ بعناية، بين الألفاظ الجزلة، والتعابير الإإبداعية البعيدة عن المبالغة والتطرف إلا عند الحاجة القصوى هي وسيلة السفر في هذه الرحلة، فاستخدام الوصف الجميل آداة طيّعة لدى الكاتب تُمكّنه من خلق عوالمه المختلفة، فنعيش تارةً في القرون البدائية بكل ما فيها، وطوراً في القباب التى اخترعها البشر في القرن السادس والعشرين ريثما جهزوا أنفسهم للانتقال إلى كوكبهم الجديد. فينقلنا آلاف السنون عبر الأزمان الغابرة لنشعر أننا نرى مشهداً سينمائيا بكل تفاصيله عن عالم الإنسان الأول بكل ما فيه من أدواته البدائية وأوصاف البشر وبيئتهم التى جعلنا ومن خلال روايته نقارنها بعالمنا الحاضر وما سيكون ربما عليه في المستقبل، لنكتشف عالم البشر الخادع بشتى المظاهر المصطنعة، حيث مهما اختلفت الوسائل سيبقى الإنسان محدوداً. فحاجتة للصيد أو للبقاء والدفاع عن النفس على سبيل المثال هي نفسها لدى أبناء آدم في بداية البشرية، وأبناء القرن الخامس أو السادس والعشرين على سبيل المثال لا الحصر..
نفس هذه الآداة تجعلنا بمشاركة ذكائه وحنكته قادرين على تصديق هذه التفاصيل الغريبة والإقتناع بما ينتج عن وجودها، وهو ما أجده نقطة قوة وذكاء.
ساعات وساعات ستقضيها أيها القارئ مع مخيلة تتجول في ربوع الكرة الارضية من أقصاها لأدناها وفي المجال الزمني من حديثه بل ما بعد حداثته إلى قديمه مع كاتب يحترف التنقل في الزمان والمكان و في الحالات النفسية المختلفة، ليدفعك أن تفهم رسالته التى سترد على لسان الأبطال، وربما تجد رسائل إإضافية فيما بين السطور. وسواء كنت مقتنعاً بأفكاره أو ربما مناهضاً لها لكنك ستشعر بالمتعة إذ ليس هناك أجمل من رواية تحمل متعة وهدف في آن معاًً. وما أجمل القراءة النقدية التى لا تقتصر على المعلومات المقدّمة في طبقٍ من فضة، بل تذهب بالبحث مستثارة مما يقدم إليها في قوالب معينة.

شاهد أيضاً

قراءة في رواية نسوة في السبعين

بقلم الكاتبة مهى هسي تقول سمية الجرّاح في روايتها “حكايات نسوة في السبعين” في طبعتها …