الجمعة , مايو 17 2024
الرئيسية / قراءة في كتاب / قراءة في رواية صعاليك هيرابوليس للكاتب محمد سعيد

قراءة في رواية صعاليك هيرابوليس للكاتب محمد سعيد

بقلم الشاعرة تنديار الجاموس

قراءة في رواية صعاليك هيرابوليس للكاتب محمد سعيد


بقلم الشاعرة تنديار الجاموس

الأخبار كلها عاجل. وحدها هذه الحرب بطيئة كدبابة تقطع الطريق وهي تدهس أرواحنا…
كل الشخصيات التي مرّت  في هذه الرواية عبارة عن أبطال حتى الرصاص، المباني، سكان القبور، داليات العنب، العرق المقطّر منها، المقامات،الجوامع لينين، ماركس، ماركيز، والمتنبي كل من ورد اسمه كان محطة للتخيل..

تدور أحداث الرواية على بقعة معلومة من الأرض أطلق عليها الكاتب اسم هيرابوليس، حيث يسرد هول الصراعات على الحرية والأرض، ويقيس لنا المسافة الضوئية بين الرصاصة والرأس بأحداث بطيئة يفوح منها الموت، أحداث كفيلة بأن تهشّم أذن القارئ من جرّاء سماع دوي انفجارات حرب شعواء  منبعثة من الوقائع المكتوبة..
يجسّد نفسه كشخصية اساسية تفرد  أمامنا خريطة الصراع بدقة بين أطراف متناحرة على لجم الحناجر وشد وثاق الأجنحة، تارة باسم الله وتارة أخرى باسم وطن منهوب لساسته، وكلما انتقلنا الى صفحة جديدة  يزيد حجم الدمار من حولنا وترتفع وتيرة الموت.
مقاصل سنّت هناك، سيارات مفخخة على الجانب الآخر، وطائرات حربية تقصف بشراهة من أعلى، وكلاب تنهش الجثث الملقاة في كل مكان، وقبور شاغرة  أعدت لزائريها على غفلة من غارة لعينة،  أناس تُرْجَم وترمى من شاهق حتى الموت بتهم ملفّقة، مناشير ورقية، جداريات بفاه مفتوح على مصرعيه يقتفي أثر صداه، والخوف سيد الموقف.

يتحدث بأسلوب سلس غير معقد عن مجموعة من الأصدقاء كان لكل منهم عالمه وألمه، يجتمعون على (سَكْرة) على سطح (جمعة  الحميماتي) الصلب وقد عُرف عنه بإنه لا يهاب شيئا وقد زج نفسه بهذا الصراع الدموي بحماسة صنديد،  وصديقه الغجري من الخيم المجاورة لمقبرة المدينة  ليتخدر فيهم الألم الواصل الى النخاع، فتتبخر الأحلام وتتحجر الدموع في الأحداق، وتتعالى ضربات الدف ودندنة (الموليّا) بصوت عروة الجميل الذي يبوح عن خبايا رأسه  بالرسم الى أن أحرق أنامله وسرق حبيبته وأنهى على والدته  معتقل رمادي، ثم تحوّل  جسده إلى ريشه فحم لوّنت رأس الكاتب بالظلام كلما مرّ بباله، وعن النهاية المتوقعة عند مطلع كل نهار جديد، عن وطن أصبح أشبه بفوهة بركان ثائر يذيب بحممه كل من أحاطه دون أن يستثني أحد.

وحده الحب كان كاستراحة قارئ حين تتسلل للسطور  ماريا الصحافية الألمانية بتفاصيل صاخبة وتوصيفات جريئة يرميها الكاتب العاشق بحنكة لنزفر الهواء بعد شهقة رعب مطولة.

أصاب الرواي الوصف بطريقة دقيقة وتخللّت الرواية بعض الومضات العميقة التي استحقت إعادة قراءتها لإكثر من مرة
(لا أذكر من حياتي السابقة سوى أنني، وفي نهار مشمس وجميل كنت أقود درّاجتي الهوائية قبل أن أقع في حفرة كبيرة اسمها العالم)