بقلم الكاتبة بشيرة شرقية
المقدّمة
حين يسبر القارئ أغوار المسرح الحديث، لا بد من أن يلاحظ أن بدايته كانت مع الشعر ، فبعد أن قدم أحمد شوقي كيلوبترا توالت المسرحيات الشعرية التي ارتدت ثوب الحداثة، من دون أن تتخلى كليّاً عن الثوب القديم في بعض نواحيها، وأبرز من شكل ظاهرةً جدليّة حول الحداثة والكلاسيكيّة بين القرّاء والنقّاد هو الشاعر اللبنانيّ المعاصر سعيد عقل ، فقد فاض إنتاجه الشعريّ عامّةً في المدة الممتدّة بين 1950 بعيد استقلال لبنان عن الاستعمار الفرنسي و1974 قبيل اندلاع الحرب الأهليّ اللبنانيّة، وهذه المدّة لم تكن تظهر فيها تحدّيّات محلّيّة بشكل كبير بل كانت التحدّيّات إقليلميّةً خصوصاً على الساحة المصريّة والفلسطينيّة ، وإنّما نورد ذلك لانعكاس مجريات الأحداث على فكر سعيد عقل ، ما دفع مؤيّديه ومعارضيه على حدٍّ سواء إلى أن يصدروا على شعره أحكاماً مسبقة ، لا تكاد تخلو من الذاتيّة في أحيانٍ كثيرة، وكان الميدان الأبرز للهجوم هو كلاسيكيّة شعر سعيد عقل أو حداثته. لقد غالت جميع الأطراف في نقده، فقد تطرّف محبّوه الذين يعدون شعره انتفاضةً حداثويّةً دفاعاً عنه، وتطرّف منتقدوه هجوماً عليه ، منكرين أن يكون شعره يحمل ظاهرةً حداثويّة، وفي كلا الحالتين ربما نبع الحكم من انعكاس فكره الإيديولوجي على النقّاد ، فهل شعر سعيد عقل في قدموسه لا يعدو كونه شعراً كلاسيكيّاً ، أشبه بشعر شعراء العصور الغابرة ؟ أو هو شعر حداثويٌّ يحمل في طيّاته نسيم التغيير وصَباه ؟
قدموس والحداثة : هل نفث سعيد عقل روح الحداثة في قدموس ؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ لنا بدايةً من التعريف ب”قدموس” تلك المسرحيّة الشعريّة التي كتبها سعيد عقل سنة 1944، وكذلك لا بدّ لنا من تحديد مفهوم الحداثة كما حدّدها شعراؤها ونقّادها، ومن ثمّ نطابق بينها وبين شعر عقل في “قدموس” خاصّةً وبقيّة أعماله ك”رندلى” و”كما الأعمدة عامّةً ” ، كما لا بدّ لنا من تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بين شعر سعيد وعقل والشعر المصنّف بالكلاسيكيّ ، والذي كتبه الأقدمون ، بل إن البعض اعتبر في بعض كتابات الأقدمين نوعاً ولو بسيطاً من محاولة التجديد ولو على صعيد المضمون فقط ، كما يرى على البتيري في مقال نشره على صفحة الجزيرة الصادر في 15/4/2016 بعنوان : الحداثة الشعريّة بين الشكل والمضمون إذ يقول : ” في الواقع، ظلَّ شكل القصيدة العربية على مرّ العصور الأدبية يتحكم في مضمونها، إذ ظلَّ تجدّد الشكل الفني واللعب به في مضمار التغيير هو هاجس الشعراء المولّدين والمحدثين، إذ ساد الظن بأن الشكل التقليدي للقصيدة العربية القديمة هو العائق أمام تجديد المضمون الشعري وتعميقه، وتوسيع دائرة الرؤية فيه.
لقد ظهرت بوادر تجديد الشكل مع حركة الشعراء المولدين في العصر العباسي من أمثال أبي تمام وأبي نواس وأبي العتاهية وبشار بن برد، إلا أن أبا تمام اختلف عن غيره بأنه احتفى بالمضمون الشعري أكثر.” لكنّ البتيري لا يكتفي بكون التجديد على صعيد المضمون تجديداً كافياً ، فهو ربّما يتّفق هنا مع أدونيس في أنّ الحداثة تطال الشكل والمضمون على حدٍّ سواء ، كما يتّفق مع عبده وازن في مقاله الصادر في جريدة الحياة في 29 نوفمبر 2014 إذ يقول: “عاش صاحب «قدموس» في قلب القرن العشرين وخارجه في آن، لم تؤثر فيه الثورات الثقافية والشعرية التي شهدها هذا القرن ولا الحروب ولا المآسي. حتى الحداثة لم يعرها كثير اهتمام وظلّ يصرّ على عدم شعرية قصيدة النثر. كان شاعراً كبيراً مكتفياً بذاته، بذائقته الأصيلة التي طالما تغذّت من منابت الشعر العباسيّ والقرآن و»نهج البلاغة» وعيون المصنّفات الأدبية التراثيّة، ناهيك عن الشعر الكلاسيكي الفرنسي، وقد دفعته حماسته لهذا الشعر أن يكتب قصائد بالفرنسية، موزونة ومقفّاة . فيختم مقاله قائلاً : ” لقد اتخذ هؤلاء المحدثون الحقيقيّون والأصلاء من حرية الشكل ساحة رحبة للإبداع، فنجحوا أيّما نجاح في تجديد الشكل والمضمون معاً، ويكفي لنستدل على ما نذهب إليه من رأي أن نقرأ أشعار كل من السياب والفيتوري ونزار قباني، إلى أن نصل إلى أشعار أمل دنقل ومحمود درويش وسميح القاسم وممدوح عدوان وغيرهم ممن يعدون على الأصابع.”
قدموس
تعرّف لنا الويكيبيديا قدموس بالقول :” قدموس أو قدمُس (باليونانية: κάδμος)، في الأساطير الإغريقية هو ابن أجينور ملك صيدا الفينيقي وشقيق أوروبا، التي خطفها الإله زيوس كبير الآلهة اليونانية عندما ظهر لها بشكل ثور أبيض وخطفها إلى مملكته ومن ثمّ تزوّجها وأطلق اسمها على الأرض التي تقع غرب اليونان تكريمًا لها، ومن هنا جاء اسم تلك القارة المعروفة اليوم بقارة أوروبا . و”قدموس” سعيد عقل مأساة شعريّة من ثلاثة فصول كتبها عام 1944 ، واستوحاها من هذه الأسطورة ، وقد مهّد فيها لمسرحيّته بالقول : ” لمّا اختطف زوش كبير الآلهة، أوروبّ بنت ملك صيدون، لحق بهما قدموس إلى بلاد الأغارقة يستردّ أخته. وفي البيوسى قتل تنّيناً كان قد فتك باثنين من رجاله، وبأمر إلهة الحكمة بذر أضراسه في الأرض، فأنبتت رجالاً شاكي السلاح ، اقتتلوا إلى خمسة أصبحوا فيما بعد نبلاء ثيبا، أولى مدن مئة وإحدى سوف يبنيها قدموس .””
كتب سعيد عقل “قدموس” على الشعر الكلاسيكي ، فقد اعتمد فيها الخفيف عموماً ، والرمل في أبيات الكورس ، ورغم أنّه حاول فيها أن يخرج على التقليد في الشعر العمودي ، كما في المجدليّة ، لقد اعتمد كما تذكر الدكتورة هند أديب قافية :” (أأ ، ب ب ، ج ج ، …..) كما في المسرحيات التراجيديّة الفرنسيّة”،ثم تضيف:” يبيح سعيد عقل لنفسه الإخلال بتحوّلات التفعيلات ، ففي البيتين الأوّل والرابع ، تجد مجزوء الرمل مع تحوّل “فاعلاتن” إلى “فعَلْ”وفي البيتين الثاني والثالث نجد “فعلن” بدلاً من “فاعلاتن” أمّا القوافي فهمي متعانقة بمحاكاة توزّع التفعيلات.” ولكنّ الشعراء الآنفي الذكر أخذوا عليه عودته في :كما الأعمدة” إلى الشعر التقليدي والتفعيلة . فهي من حيث الشكل كلاسيكيّة لا تخلو من نسمات الحداثة ، فعلى حدّ تعبير الدكتورة هند أديب ، لم تكن “علاقة سعيد عقل بالحداثة الشِّعريّة علاقة اندماج أو ذَوَبان. لقد أنتج هذا التّطَابُق توازيًا لا يقبل الجدل. وعلى الرُّغم منِ التقاء نتاج سعيد عقل بنتاج المُحْدَثين في بعض النّقِاط، إلاّ أن الواحد بقي بلا مَنْفذ إلى الآخر.” ممّا جعله غير محطّ ترحيب من قبل الشعراء الذين حملوا لواء الحداثة أمثال السياب وغيره ، مع أنّنا لو دقّقنا النظر لوجدناهم نهجوا قريباً من نهج سعيد عقل في محلّات كثيرة ، فالسيّاب مثلاً كتب على الكامل والوافر والرّمل والمتقارب والمتدارك ، رغم أنّه طوّعها بطريقة حداثويّة تخدم تجديده لإيصال ما يريد بحرّيّة .
لم يخرج سعيد عقل عن القيود الكلاسيكيّة تماماً ، إلّا أنّه التزم بأمور صارمة إضافة إلى تلك التي يتطلّبها التقليد ، فكان التكرار سيّد االموقف ، ممّا أعطى شعره موسيقى متميّزة :
طاب طاب القتال …
لا ولبنان ..
لا ولا ..
ربّ ردّ الأهوال …
ربّ جلّت يمناك ..
من هنا نجد أنّ سعيد عقل عكس روحه اللاملتزمة بالتقليد بالكلّيّة من حيث الشكل، والإيقاع بل تعدّى ذلك للتجديد في الصور التي أوردها في قدموس ، فقد اعتمد التشبيه البليغ الذي يصل به إلى حدّ التماهي بينه وبين الكأس على سبيل المثال في بعض الأحيان ، بل ومبرزاً نوعاً من الرومنسيّة في إبراز الطبيعة في شعره حيث يستثير شعره كلّ مكامنها ، ويجسّد كلّ منعطفاتها:
نحن يا شرق لا ننثني ..
غلّ بحراً وافتتح كوكباً
تبق دون العلى
ليصل إلى أبعاد كونيّة لتجاوز الذات ، شملت معظم شخصيّات قدموس ، تتجاوز مسألة القلق لبلوغ مثال أعلى حقيقيّ ، للوصول إلى المطلق: “ونمضي كريشةٍ في الريح” بل يتخطى ذلك إلى الانبعاث بعد الموت ، فأوروب التي قضت في آخر المسرحيّة لم تكن سوى رمزٍ لانبعاث جديد يكمن في قول قدموس غداة معرفته بموت أوروب : ويكاد الشعاع يلهب أعصابي…
من هنا فإننا إذا أردنا أن نلقي نظرةً شاملة إلى قدموس سعيد عقل فإنّنا للوهلة الأولى لا نستطيع أن نحكم عليها لما جمعته في ثناياها بين الأصالة والحداثة إذ إن القارئ يحتار لدى قراءتها بذلك السبك المتقن ، وما يحمله من أصالة في الموسيقى والألفاظ ، وما يطرحه من حداثة ليتكامل المشهد برمزيته وما وليعكس تلك الثورة في روح عقل واللبننة الأصيلة التي لا تنفك تظهر في كل الأنحاء المسرحيّة فبدءاً من البنية الشكليّة لقدموس فإنّنا نلاحظ كثرة استخدامه لبحر الرجز، الذي يستعمله في معظم شعره ، مع أنّه استخدم معظم البحور بشكلٍ عامٍّ ، لكنّ الرجز طغى عليه .
كذلك فإن ما ورد في القصّة من مؤشّرات حداثويّة كالانبعاث والمطلق و
إلّا أنّه لا بدّ لنا من التنويه إلى أنّ الخروج على استخدام البحور التقليديّة ليس الدليل الوحيد الذي يشير إلى الحداثة الشعريّ ، فلا بدّ من سماتٍ كثيرةٍ أخرى في المضمون تشير إلى ذلك . فيكون الشعر والمضمون كلاهما مشيرين بشكل متّسق إلى انتماء شعرٍ أو شاعر إلى الحداثة عامّة .
لقد عكس سعيد عقل في قدموس ردّاً على فكرٍ أيديولوجيٍّ ساد في فترة الأربعينات ، يحيث اتّشحت المسرحيّة بالقوميّة اللبنانيّة كردٍّ على القوميّة العربيّة ، التي مثّلها بعض الحداثويّين أمثال أبي القاسم الشابّي القائل : ” إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر ”
في حين رفع سعيد عقل لواء اللبننة : بلادي أنا ، ولبنان عهدٌ
ليس أرزاً ، ولا جبالاً وماءً ، وطني الحبُّ ، ليس في الحبِّ حقدُ
وهو نورٌ فلا يضلّ : فكدٌّ ويدٌ تبدع الجمال وعقل
لا تقل “أمّتي” وتجتاح دنيا نحن جارٌ للعالمين وأهل
فبدا في هذا المضمار غير موضوعيٍّ بل انحاز كلّ الانحياز إلى لبنان بكلّ ما استطاعه ، وألبسه تاج المجد الفينيقيّ المتجذّر في أعماق تراب الوطن ، وصولاً إلى العالميّة وإلى نشر العلم والحرف في أرجاء المعمورة .
يصل سعيد عقل في قدموس إلى المطلق ، حيث ينتفي القلق الذي ساور إليوت و عنده ، ويرتسم شعره بالرومنسيّة والرمزيّة.. (33) تلك الرمزيّة التي تألّقت في قدموس بشكلٍ بارزٍ ، فنحن لو تصفّحنا مسرحيّة “مصرع كليوبترا” التي كتبها أحمد شوقي عام 1920 أي قبل قدموس بأربعة وعشرين عاماً ، فإنّنا نجدها انعكاساً لروح متعلّقةٍ بالوطن الأمّ ، تماماً كما نجد في قدموس، فأحمد شوقي حين يجعل من كليوبترا ذات الجلالة المصريّة شامخة على كرسي الانتحار ، يجعل من خلالها مصر تشرق على أنحاء القصيدة ليعكس تعلّقاً ملحوظاً بوطنه مصر ولو كان على حساب الأحداث التاريخيّة أحياناً ..
“أيوطأ بالمناسم تاج مصرٍ وثمّة شعرةٌ في مفرقيّا؟! ”
وكذلك فإن سعيد عقل يتباهى بلبنانه ولبنانيّيه من خلال قدموس ، فهو حين يخاطبه الأعمى مثلاً :
نحن غير الغزاة ، ننزل قفراً فنخلّيه أنهراً وجنائن
نزرع المدن ، نزرع الفكر في الأرض ونمضي في الفاتحين مثالا
وغداً تعرف الحضارة في صيدون أمّاً فتنحني إجلالاً
لقد تغنّى سعيد عقل بلبنانه رغم كل المآسي التي كانت تلف ببعض الشخصيات ، إلا أن لبنان كان فوق كل اعتبار .
في بداية مسرحيّة قدموس ومنذ مشهدها الأول رمَز قدموس إلى الشرق وخاصة إلى لبنان وما يحمل في طيّاته من العلوم ، ونشره للحرف في أرجاء الدنيا ..
وبالتالي فإن الإغريق في تراجيديّته مثّلوا الغرب وما يطويه عقلُ سعيد على نظرةٍ سوداويّة تجاه الغرب . فها هو قدموس يردّ على الأعمى الذي يمثّل من يدافع عن الغرب بدون إعمال الحكمة، وكأنّه رمز بعمى البصر إلى عمى البصيرة :
أنا من أمّتي رسالة نور تترك الوحش غير ذي أظفار .
إلا أنّ الغرب لا يكترث لما يحمله الشرق من النور والعلم ، ويتمادى في عدم اكتراثه :
مهل قدموس ، قفرةٌ من البيوسى فوق صيدون رفعة والحواضر
فوق ما تدّعون من قببٍ شمٍّ وشهبٍ ظواهرٍ في ظواهر
ولكنّه يضطر بعد ذلك إلى الاعتراف للشرق فطموحه ، وفتوحه ، وليس ذاك إلا ليظهر أن قدموس قادرٌ على اقتحام كل الصعاب إلى أن يتوقّف عند سلطة الإغريق :
ما لعني ترى لكم قبّةً شهباء مخنوقةً بخيطٍ معار
أجفلت دونها الجبالُ ويكفيها ، لتنهدَّ لفتةُ الأقدار
فما يثني ذلك قدموس عن رفعه راية بلده وطموحه والتذكير بها ، وكأنّه لفتةٌ إلى أنّ لا يمكن أن يخفض جناحه رغم كلّ الصعاب :
ومن الموطن الصغير نرود الأرض نذري ، في كلّ شطٍّ قرانا
نتحدّى الدنيا : شعوباً وأمصاراً ، ونبني – أنّى نشأ – لبنانا
في الفصل الثاني من المسرحيّة ، يشير سعيد عقل إلى المحاولات الفاشلة من الأعمى لإضعاف أوروب :
ولخيرٌ تنازلٌ عن حبيب من رجوع القدموس حمل المحامل
وهو وإن دسّ السمّ في فكرها إلّا أن ذلك تهاوى عند قرارها الأخير في الاختيار بين قدموس موطن حنينها ولبنانها ، والتنين وما يحمله من رمزية الوحشيّة التي يستمرّ بها حكم زوش ، فرغم إقناعه لها بأن تقنع قدموس عن المضيّ قدماً في بطولته وجعلها تحتار وتفكر في الأمر:
أنا مرميّةُ الطريق بكتني لبكائي وما هدتني الطريق
بين قدموس سيف أهلي ووحش الغرب ، واقيَّ طعنة الخالدات
بل وتقنع مرى بأن تستعمل عاطفتها في إقناعه :
من رأى يا ترى ؟ أمن تسهر الليل عليه أمٌّ … رمّةً من نفاق ؟!
فيردّ قدموس :
لا وتفدين ، لا تقولي ! تهاوى كلّ ما بي من شاهقٍ تيّاه
وبكاني الطفل القديم … .
إلّا أنّه لم يفلح في جعلها تخون موطنها وأهلها ، فرغم توالي الأحداث في الفصل والثالث بمشاهده التسعة ، إلا أن أوروب ترمز فيه إلى الثبات والصبر والتضحية في سبيل الشرف والكرامة لأهلها ووطنها ، ممّا كان سبباً في جعلها الضحيّة التي دفعت الثمن .. ليبقى موطنها وموطن أهلها مرفوع الرأس :
قدموس :
هم صيدون راحوا يبون أبراج ثيبا
رفعوها أنقى من الشمس لألاء وأبهى من العلاء وثوبا
هذه الرمزيّة الجليّة في قدموس، لم تكن بحتةً إذ لم تخل من الرومنسيّة أحياناً ليشكّلا معاً مظهراً تجديديّاً فريداً، وليكون عقل سبّاقاً في هذا المضمار بكونه مزج بينهما بأسلوبٍ فريد.
ختاماً لا بدّ من القول أنّ سعيد عقل استطاع من خلال ما كتبه وسبكه وصاغه شكلاً ومضموناً، أبياتاً وصوراً في قدموسه ، أن يجعل منها لؤلؤةً فريدة من التماسك والتجانس ، لذا يصعب أن نصنّفه بين الكلاسيكيّين أو الحداثويّين ، أو فلنقل إنّه كلاسيكيّ بنفحة حداثويّة إذا صحّ التعبير ، نختم بما أوردته الكاتبة والباحثة الدكتورة هند أديب : ” إنّهَ ينتمي إلى كلّ التيّارات وليس إلى تيّارٍ واحد. ويصبح هذا التصنيف أكثر صعوبة في حال كان المِعْيار الذي نعتمده هو المِعْيار الأوروبي-الفرنسي. فسعيد عقل ليس رومنطيقيّاً بحتًا، ولا رمزيّاً بحتًا، ولا برناسيّاً بَحْتًا. إنّه أحد أوائل الشُّعراء الحقيقيّين في مجال الحَداثة الشعريّة، إذا كنّا نفهم ”الحداثة” استقلالاً عن النماذج الغربيّة من دون أن يعني ذلك قطيعة، ولكن تفاعل ومحاكاة حرّة وغير مستعبدة كما أَحَبّ الكلاسيكيّون الفرنسيّون ترداده.”
المصادر والمراجع
عقل، سعيد، الأعمال الكاملة ، منشورت دار نوبليس، ط2، 1992
أديب، هند، شعرية سعيد عقل، دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٠
أدونيس، ”مقدّمة.لشعر العرب”، دار العودة، بيروت، ١٩٧١
محمّد فتّوح أحمد، ”الرَّمز و الرَّمزية في الشعر المعاصر”، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٩٧٨
أديب، هند، مقال بعنوان: لبنان الأسطورة في شعر سعيد عقل، صفحة المركز التربوي للبحوث والإنماء .
وازن، عبده، مقال بعنوان : سعيد عقل «شاعر لبنان» جدّد الشعر العربي وصنع حداثته، صفحة الحياة ، 24نوفمبر 2014.