الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / «الضاد» الأم في مركبات النقص العربي واللاوعي الجمعي في ديوان «هياكل النرجس» للشاعر حسن مرتضى

«الضاد» الأم في مركبات النقص العربي واللاوعي الجمعي في ديوان «هياكل النرجس» للشاعر حسن مرتضى

قراءة بقلم د. أنور عبد الحميد الموسى
«الضاد» الأم في مركبات النقص العربي واللاوعي الجمعي في ديوان «هياكل النرجس» للشاعر حسن مرتضى
قصيدة «نشال الصمت برحلة الإعراب» أنموذجا
(قراءة في قصيدة: «نشال الصمت برحلة الإعراب» للشاعر حسن مرتضى، من ديوان: هياكل النرجس، دار الحداثة، ط1، 2000…)

(.. والآن/من فضلك يا شابلن : إبدأ بإعراب كلمة ( فنهضنا )::::
ففففففففففففففففففففففففففففففففف)
فاء : ( فمٌ فاض بفنٍّ
وفريدٌ فطمته فريدة )…
وفريدة : أمٌ ٌُ حُرِمت من فاء العطف
كما حُرمت من عطف الأُم …
فتكون منها لغة الأُميين …
ومنذ تكوِّنها الأول
لم نعلم كم هي صارت
مؤمنةً بوجود الله
ومؤمنةً بوجود الشيطان
ومؤمنةً بوجود الأُمميين :
مساكين أبٍ
لا عاش ولا مات
ولم يولد بعد !!…
أبٌ : لا يؤمن إلا بالهوجاء
تهبُّ هبوب الأرياح ـ
تراباً ـ لحماً ـ ودماً ـ
وعظاماً أحجارا ــ
تتراكم صمتاً حجرياً
ليلاً ونهارا ــ ………
… وكما نحن الآن سكتنا …
…فتكاثرنا أصفاراً… أصفارا…
صفراً : يكبر منصوباً بالجر !!
وصفراً يكبر مرفوعاً بالجر !!
وصفراً يتفجر مجروشاً
في جرشٍ
تتجرجر برداً وسلاماً حٙباً للطير …
تٙنٙقّلنا جٙرجٙرٙةً — — — — — — —
في حالة تكسيرٍ دائمْ /!¡!¡!¡/
وتكبّرنا بالجفصين ———-:
صفراً يكبر كالتابوت =====
وصفراً يكبر كالبسكوت #####
أكاد أخالف جمجمتي /…
بصراحة :
لا أعرف شكل البسكوت !!!
فهل تسمح جمجمتي
أن تشرح كذبتها البيضاء ؟؟!!
وهل تاء التأنيث تٙوٙلّدٙ منها
جنسٌ آخر يُدعى :
(( تي ــ أن ــ تي ))؟؟!!
أصواتٌ خرساء … … …
تكاد تُفٙجِر صاعقها __ ..
نوبل … يا نوبل …
من فضلك أخبرني :
كيف تكوّن هذا البسكوت ؟؟!!..
يقولون: تكوّن من خمسة أحرفْ —
نُشِلٙتْ من بين حروف سبارتاكوس !!
–: بطلٌ مقتولٌ ———–
مفتولٌ كفتيلٍ منطفءٍ ——–
ليس له قبرٌ في اللغة العربية (—-)
كان يقود الثورةٙ بالفيلم
وكان الثوار جياعاً
يحتشدون بجمجمة الأرض
ويقتاتون النرجس والأعشابٙ البريّةٙ
ما يكفي تسكيتٙ الجوع………!!
تعجّبتُ لهذا الحشد الهائل
في الفيلم !!! :::::::::::::::
–: شعوب العالم لا تصلح إلاّ
( للكومبارس ؟؟!! )..
ما هذا الحشد على الشاشة ؟؟!!..
جمجمة الأرض كجمجمتي ؟!…
لا ينبت فيها غير الأعشاب ؟؟!!
أرى الأعشابٙ هنا
تنسج أثواب الأحجار
فلا أفكار ولا أشجار …
أرى لغةٙ الأعشاب كطبّاخٍ
يصنع أطباق الحلوى
ويرش بهارات الفلفل
فوق فُتاتِ النرجس !!!!!!!!!
أعجبني الحشد الهائل للكومبارس
وأذهلني التشخيص الرومنسيُّ :
لقد مر ّعلى الشاشة شخصٌ
يشبهني جلداً ملتصقاً بالعظم
مغٙطّى بالشاش وبالجفصين —
بلا لحمٍ !!
ويكاد من الميلان الرخوِ يكون
بلا عظمٍ !!!…
فهدرتُ عليه الدمعٙ المضحكٙ —
كدتُ أموتُ من الضحك…!
وبعد قليلٍ يصبح أكثر مني
شبهاً بي !!!…
هو ( شابلن ) !!!¡¡¡!!!_____
إرهابيٌّ كالخيط الأبيض _
مفتول العضلات اللغوية
يُعلن :
لا أتكلّم إلاّ صمتاً بالدارج والفصحى..
وغداً يشبه شخصاً آخر …
لكن الآخر لا يشبهني إلاّ
بالطول ( ¡ )وبالعرض ( –٠)
كأني صرتُ شعوباً تحت الأرض…
كأني في شبهي عبدٌ أبيض
معروضاً للبيع — على الشاشة :
غطيتُ بهِ هيكليٙ العظميّٙ////
شعوباً فوق الأرض
بلون الهنديِّ الأحمر …
وإذا بالخيط الأبيض ينفرْ ويُهدِِّدْ ؛
قال: أنا ألِفُ الأمر ..¡..
فأرعبني ! …
كدتُ أموتُ من الرعب ؛
فأسرعتُ وصرتُ أُبغبغ سطراً —
وأُبربر سطراً آخر …______
قلت : أنا لست أنا… ______
كنتُ أنا الغائب …
والغائب ليس أنا …______
بل هو رامز … _______
في رأس المتنبي …
والمتنبي مفقود
في بطن(لسان العرب)الموجود…
قال: أنا مثلك يا شابلن…
لكنّ أناي أنا ليست لي ؛
هي أُختُ لساني المعقود .!. :
كنتُ (( أبغبغ كالببراء ))
وصرتُ (( أُبربر كالببغاء )):
سأنشل من رأس رموزك
هذا الصمتٙ المزمن(…)#
نٙشٙلٙ البسكوتٙ من سبارتاكوس
ليبقى أبطال الفيلم عبيداً
وبلا رأسٍ … … …
داخٙ أبو الطيب
في رأس ابي الطيب …
قلت لهُ :
ما معنى هذا العمل الرمزيِّ
ألم يمُتِ المتنبي ؟؟!! ..
قال : بلى …
قلتُ:وكيف نمعنن هذا البسكوت؟؟.
قال : سكوتْ..
لم يتكلّمْ أحدٌ بغياب الباء …
(( وغاب عن الشاشة ))…
############## من ديوان :
هياكل النرجس

 

تاطير القصيدة والعنوان
يطالعنا الشاعر الجنوبي العاملي حسن مرتضى في ديوانه، هياكل النرجس، الصادر عن دار الحداثة 2000، بعنوان بارز… يضع الإصبع على جراح الضاد، المفعمة بإشكاليات مصيرية تطرح ألف سؤال وسؤال… فضمن لغة تضمينية وصور انزياحية ورموز محلقة في عوالم الأسطورة والخيال، ينقلنا الشاعر مرتضى على جناحي الخيال، لنحط في قصيدة تقبل قراءات نقدية ومنهجية جمة..
فعنوان القصيدة في بعده السيميائي والنفسي، يشي بمرارة و«غياب» وألم دفين يثير مكبوتات هائلة…

    وهذا العنوان/ العلامة، يعد بمنزلة صرخة الشاعر أو قل: شحنته الغاضبة… للولوج إلى خفايا أزمة الضاد (الأم أو الأمة)…

ف«النشال» كلمة معرفة وذات دلالة واضحة، أفرغت من دلالتها المعجمية حين أضيفت إلى الصمت الموحش…

   وما زاد أوجه الغرابة في العنوان تقييده بالدار والمجرور: «برحلة الإعراب»…

   فكأني بالرحلة ههنا، بمنزلة نكوص إلى المرحلة ىالجنينية التي يحن إليها ناطق الضاد… أو المتألم على واقعها المهترئ…
العنوان إذا، يبقى لدى قراءته الأولى، فالتا من المعنى الصريح…موحيا… له بعد مرجعي تائه…

وفي ميدان تاطير النص، يطالعنا المرسل: الشاعر الجنوبي الأسير المحرر حسن مرتضى، بمرسلة هي نص حداثوي قابل للتاويل، موجه إلى مرسل إليه ليس معينا بدقة، فهو ربما العربي الغارق في متاهات تقهقره والتآمر على لغته وحضارته… وربما كل تائه عن ضاده لدرجة الجهل والأمية!

الضاد التائهة في طلاسم النقص
يطالعنا الشاعر بحقول معجمية بارزة…كحقل الأم والأسرة: فطمته، أم، حرمت، العطف، مؤمنة، أب، لحم، دم، تكاثرنا صغارا، التأنيث…

…لكن هذا الحقل مغلف بالحرمان: «…كما حرمت من عطف الأم»…
وكأني بالشاعر، يئن من الحالة المزرية التي وصلت اليها اللغة الأم…التي تكونت منها لغة الأميين…التي باتت مؤمنة كما يقول بوجود الشيطان!

وكأني بالضاد الأم تعاني من نقص كبير، نتيجة إهمال أبنائها لها، وجعلها فريسة في متاهات اللحم والدماء…

ولعل في لجوء الشاعر إلى الطبيعة: الأرض، الأعشاب، الفلفل، الخ، ما يؤشر إلى رومنسية واضحة، فكأني بالطبيعة هي المكان الذي يلجأ إليه الشاعر لردع الهموم… إذ، أليست الطبيعة هي الأم المعطاء ورمز الخصوبة والحياة؟

…ولذا، لا غرابة أن بشعر الشاعر المعذب من خلال اللاوعي، بالحنين إلى الفردوس المفقود (رحم الأم كما تؤشر صدمة الميلاد عند أوتورانك)…

صور انزياحية من اللاوعي الجمعي

في صور الشاعر الحاضرة بعد ينتمي إلى التناص، حيث غدا نصه فسيفساء من نصوص غائبة… ولعل هذا ما يمكن ربطه باللاوعي الجمعي الأسطوري والعالمي والعربي…

لكن هذا التناص يبقي الشاعر مبتكرا ومبدعا في صوره التي تنتمي إلى بنات اللاوعي حين تعطلت ملكة الوعي…

يقول الشاعر:
تكاثرنا أصفارا…
صفر يكبر منصوبا بالجر…
وصفرا يتفجر مجروشا…
أصوات خرساء تكاد تفجر صاعقها…
جنس آخر يدعى: تي ان تي؟

جلي هنا تكثيق الصور الفالتة من اللاوعي.. تلك الصور المكثفة والانزياحية…ولا ننسى أن الشاعر انخرط في العمل المقاوم ابان الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان… ولا ننسى أيضا أن صور القتال وأدوات الحرب عايشها وتأثر فيا منذ طفولته… ولذا، فهي مطروقة ولكنه شحنها بنزعة جديدة… تؤشر إلى سادية من يهمل لغته، وظلمه المازوشي لنفسه أولا… ووتقهقره السادي وإجرامه بحق أمه؛ أي لغته…

رؤية كونية وإبداع
يعبر الشاعر حسن مرتضى عن آراء فئة لها حضورها على الساحة العربية، تجد أن اللغة هي الهوية والأم ورمز الحضارة والتراث… ولكنها في وضع صعب… لذا، فهو رؤيوي الفكر…

ومن مظاهر الإبداع عنده:
* التنوع في مؤشرات الايقاع..ّ
*والصور المشحونة بدلالة رمزية هائلة…
*والتكرار الهادف: تكرار الحرف كالفاء والمد…
•والطباق الثنائيات الضدية في اللفظ والتركيب والصور: ليلا ونهارا.ّ.
*وتكرار الكلمات: صفرا…
*والتشبيه والاستعارة والتدوير والحوار الرشيق:
قلت له: ما معنى هذا العمل الرمزي؟
ألم يمت المتنبي؟
قال: بلى…

وتجلى في شعره ايضا مظهر السخرية والنقد اللاذع البناء… والروح الثورية المتمردة… ناهيك بالأبعاد السيميولوجية الأسطورية والسيكولوجية المتنوعة…

خلاصة

مجمل القول، فإن هذه القصيدة مفعمة بقراءات وتاويلات جمة… متنوعة بتعدد القراء.. وتثبت أن صاحبها فنان في رسم الحروف والصور والإيقاع والتجربة… تلك التي تعبر عن مكبوتات وعلاقات أسرية ونقص دفين في اللاوعي العربي… ناهيك بأواليات دفاع كالكبت والنكوص والتسامي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.