الأربعاء , أبريل 30 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / الشاعر د.حسن جعفر نور الدين شاعر الطبيعة والحب المثالي…

الشاعر د.حسن جعفر نور الدين شاعر الطبيعة والحب المثالي…

بقلم الجامعية هبة حسين سلامي عبر أخيلة عديدة يبحر الشاعر الدكتور حسن جعفر نور الدين في سماء الحقيقة. من قريته الجنوبية الوادعة “حبوش” ينطلق بكلماته ليعانق الغمام. رحلة شعرية أدبية طويلة تلونت بمختلف ألوان المودة والرهافة والإبداع. حس رقيق ، وتعمق لامتناه في مفاتن الطبيعة اللبنانية الأخاذة ، وحنين غير مسبوق إلى الأم بكل تفرعاتها. مواصفات عديدة غلفت سيرة ومسيرة الشاعر الشاعر نور الدين وجعلت منه اسما” على الساحة الشعرية الجنوبية ، لا بل اللبنانية.

حسن جعفر نور الدين ، شاعر لبناني ، من جنوبه الأشم ، مواليد عام 1945 ، سليل السيد جعفر نور الدين ، وحفيد علامة عصره المفتي الشيخ محمد علي نعمة. عاش طفولة سعيدة رغم الفقر المدقع وسذاجة العيش، لكنها مع ذلك كانت ماتعة رائعة. ابتدأ مشواره المعرفي من مدرسة حبوش الإبتدائية مرورا” بمدارس النبطية وثانويتها وصولا” إلى دار المعلمين والمعلمات، وفي ما بعد تخرج من الجامعتين اللبنانية واليسوعية حيث حصل شهادات عديدة ، كدكتوراه دولة في الأدب العربي ، وعلم الإجتماع وماجستير في التاريخ.
رحلة دراسية عذبة صاغت وصقلت موهبته الشعرية التي شكل لبنتها الأولى جده الشيخ حين كان يقرضه الشعر ويلزمه حفظ السور الصغرى من القرآن المجيد.
قرض الشعر باكرا” وهو في الثالثة عشرة من عمره ، وكانت كتاباته النثرية محط اهتمام أساتذة الأدب العربي في دار المعلمين والمعلمات.
رويدا” رويدا” وبمواكبة من عمالقة الشعر والفكر ( ميخائيل نعيمة / سعيد عقل ..) أكمل مسيرته ووسع نطاقه خارج لبنان والبلاد العربية.

حول قصيدة ” إناث الأسطورة ” من ديوانه “الغيم السكران ” الذي سيصدر قريبا” عن دار الغد العربي كانت هذه القراءة.
” مد وجزر ”

كأي قصيدة تطالعها أمامك ، فتأخذك إلى أقاليم بعيدة المدى ، هذه المرة ” إناث الأسطورة ” ولدت بشكل مختلف. فمن الوهلة الأولى ينتقل القارئ إلى الزمن الماضي ، زمن الرحلة التي كانت سببا” لخروج القصيدة إلى العلن من رحم الشاعر ، تلك الرحلة التي جعل الشاعر ” إناث الأسطورة ” عنوانا” لها. هذا العنوان الذي يوقع القارئ في حيرة ، فيعتقد للحظات أن ما سيقرأ من شعر يتحدث عن الكثير من النساء ، ثم لا يلبث أن يكتشف أن المرجعية في القصيدة والمحورية هي لأنثى واحدة ، نعم أنثى الرحلة – المليكة.
خلال عملية قراءة القصيدة يتبين للمتصفح أن بؤرة المعنى أي مركز المعنى هي الأنثى ، حيث ينطلق الشاعر في مشوار السرد والوصف. عاونه على ذلك استخدامه لعوامل الزمان والمكان. أيضا” نرى بوضوح وجود الإيقاع الموسيقي داخل القصيدة حيث تتوالى الأحرف إثر بعضها لتخلق نغما”محببا” ( الأسطورة .. الصورة .. المعمورة ).
زد على ذلك ، أن هذه القصيدة الحديثة جاءت غنية بالصور ، تتدفق الصور فيها وتنحاز للموصوف لتبلغ به أعلى الذرى.
لا يخفى على أحد أن هذه القصيدة أو ، إن صح التعبير ، كتابات حسن جعفر نور الدين أعادت لنا الذاكرة إلى مرحلة زمنية سابقة ، فعندما نقرأ ” إناث الأسطورة ” نرى فيها أشباه وآثار أبي تمام والمعري وشعراء كثر ، أما إذا تحدثنا عن نثره ونصوصه فنقرأ فؤاد سليمان وأمين نخلة ، ولا زلت أذكر إلى الآن ، يوم حادثته وقال لي : ” في دار المعلمين والمعلمات في صيدا كانوا يلقبونني بأمين نخلة الجديد “. هذه الصفات وغيرها ، تدفعنا الى الغوص أكثر فأكثر في شعره، فنبصر بأم العين أنه شاعر الطبيعة. فمنذ الديوان الأول ” شمس القرى ” حتى الأخير ، لم يخرج عن أي تسمية تتعلق بالأرض أو الطبيعة ، مسيرة خمسة عشر ديوانا” من ” شمس القرى ” إلى ” نافذة الياسمين ” ف “مروحة الزمرد ” وأخيرا” ” في فلسطين لا تنام السماء ” كل هذه الدواوين ترجمت تعلقه بالأرض والطبيعة ، ولعل ذلك يعود إلى طفولة الشاعر التي قضاها وهو يسرح في البراري والحقول. أيضا” ، نستطيع القول انه شاعر المرأة ، شاعر المرأة من جانب معين ، شاعر المرأة الأم ، المربية ، والحاضنة للمجتمع والبانية للحضارة. هكذا يراها في ختام قصيدته ” إناث الأسطورة ” بقوله :
…. يا سيدة الماء
وشمس اللغة الموتورة ..

هذا الأسلوب الملفت في الكتابة تغير وتبدل مرات عديدة ، فمنذ الإنطلاقة في ” شمس القرى ” والقصيدة هنا عن المرأة أيضا” يقول :
…. ورشاف
من بعد تناديني
فأسمع في سكون الليل صوت نسيمها
فهل يا طائر الأحلام تحملني إلى أقصى روابيها
أشم العطر من أسرارها
وأضم في قلبي دواليها …

الخطاب هنا مفعم بالهدوء والطمأنينة ، ولكنه بسيط بعض الشيء ، تراكيبه تدل على أولى خطوات العمل الشعري ، وأولى اللبنات التي صاغت في ما بعد أبهى القصائد وأنقى الحلل.
يقول في ” أميرة الأمطار:

…. بالأمس رأيتك عن بعد
في حوض الماء
تغتسلين بشعري
ترخين جدائلك الشقراء
على أمواج خيالي …

على هذا النسق تسير القصائد في ديوان ” الغيم السكران ” ، بأسلوب رومنطيقي مع الأحبة والعشاق تارة ، وأخرى مع أجنحة الخيال لتقطف الزيتون وتسبح في الأنهار.

هذا التطور في الخطاب الشعري منذ السبعينات ، انطلاقته الأولى ، حتى اليوم ، جعل من حسن جعفر نور الدين محط دراسة من قبل الباحثين والجامعيين ، فتراه مقصدا” لطلاب الماستر والدكتوراه وموضوعات شعره عديدة براقة لامعة في متناول كل شغوف بالشعر وأهله.
دام حسن جعفر نور الدين منارة للشعر وأهله ، يستحق ذلك ، فلنقرأه….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.